ورسوله بالنصر والغلبة على الأعداء ، ونقض العهد ، مدح المؤمنين المخلصين بالثبات في الحرب ، وتصديق الله ورسوله في الوعد ، والوفاء بالعهد بقوله : ﴿وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ المخلصون ﴿الْأَحْزابَ﴾ من كفّار الأعراب والجنود المجتمعة لمحاربة الرسول يوم الخندق ﴿قالُوا هذا﴾ الذي نرى من البلاء العظيم ﴿ما وَعَدَنَا اللهُ﴾ من قبل في كتابه بقوله : ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا﴾(١) . إلى آخره ، ﴿وَ﴾ وعدنا ﴿رَسُولُهُ﴾ بقوله صلىاللهعليهوآله : « سيشتدّ الأمر عليكم باجتماع الأحزاب عليكم ، والعاقبة لكم عليهم » (٢) وقوله صلىاللهعليهوآله : « إنّ الأحزاب سائرون إليكم بعد تسع ليال أو عشر » (٣) ﴿وَ﴾ ونعترف بأنّه ﴿صَدَقَ اللهُ﴾ في وعده ﴿وَرَسُولُهُ﴾ أيضا صدق في إخباره حيث ترى مطابقته للواقع ﴿وَما زادَهُمْ﴾ ما رأوه من الأحزاب ﴿إِلَّا إِيماناً﴾ بالله ورسوله ﴿وَتَسْلِيماً﴾ وانقيادا لأوامرهما وأحكامهما ، لمّا علموا سعادة الدارين فيه.
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ
مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ
الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣) و (٢٤)﴾
ثمّ فصّل سبحانه حال المؤمنين المخلصين بقوله : ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وبعضهم ﴿رِجالٌ﴾ كاملون في صفات الرجولية ﴿صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ﴾ وثبتوا على العزم الراسخ على أداء ما جعلوا لله على أنفسهم من الثبات على نصرة الرسول ومقاتلة أعداء الله ، لإعلاء كلمة الدين ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ﴾ ووفى بنذره ، وخرج عن عهدة ما التزم به ، بأن ثبت في النّزال وقاتل الرجال لنصرة دين الله المتعال حتى قتل كحمزة بن عبد المطّلب ، وعبيدة بن الحارث ، وجعفر بن أبي طالب ، ومصعب بن عمير ، وأنس بن النّضر الخزرجي عمّ أنس بن مالك الأنصاري.
روت العامة أنّ أنسا غاب عن بدر ، فشهد احدا ، فلمّا نادى إبليس : ألا إنّ محمدا قد قتل ، مرّ بعمر ومعه نفر فقال : ما يقعدكم ؟ قالوا : قتل محمد. قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟ ! قوموا فموتوا على ما مات عليه ، ثمّ جال بفرسه وحمل بسيفه ، فوجد قتيلا وبه بضع وثمانون جراحة (٤) .
قيل : إنّ جماعة من الصحابة نذروا بعد وقعة احد أنّهم إذا لقوا حربا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا (٥) .
__________________
(١) البقرة : ٢ / ٢١٤.
(٢و٣) تفسير روح البيان ٧ : ١٥٨.
(٤) تفسير روح البيان ٧ : ١٥٩.
(٥) تفسير أبي السعود ٧ : ٩٨ ، تفسير روح البيان ٧ : ١٥٨.