قائمة الکتاب
إعدادات
نفحات الرحمن في تفسير القرآن [ ج ٥ ]
نفحات الرحمن في تفسير القرآن [ ج ٥ ]
تحمیل
وأخذ رأسه ، وأقبل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله والدماء تسيل من رأسه وتقطر من سيفه ، وهو يقول :
« أنا عليّ وابن عبد المطلب »
ثمّ هرب من كان مع عمرو (١) .
وقيل : قتل الزبير هبيرة بن وهب ، فبقي النبيّ صلىاللهعليهوآله يحاربهم خمسة عشر يوما ، فلمّا رأى من أصحابه الجزع لطول الحصار ، دعا الله وقال : « يا صريخ المكروبين ، ويا مجيب دعوة المضطرين ، اكشف همّي وغمّي وكربي ، فانّك ترى ما نزل بي وبأصحابي » فبشّره جبرئيل أنّ الله يرسل عليهم ريحا وجنودا من الملائكة ، فانهزم القوم كما ذكرنا سابقا ، فبلغ خبر انهزامهم المدينة ، وكان المنافقون الذين فرّوا من القتال ، ورجعوا إلى المدينة ﴿يَحْسَبُونَ﴾ لجبنهم أن ﴿الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا﴾ ولم ينهزموا.
﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ
وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً * وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ
وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢١) و (٢٢)﴾
ثمّ بيّن سبحانه ثباتهم على الكفر مع مشاهدتهم هذه المعجزة بقوله : ﴿وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ﴾ كرّة ثانية إلى المدينة وهم فيها ﴿يَوَدُّوا﴾ وتمنّوا ﴿لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ﴾ وخارجون منها إلى البادية أو كائنون ﴿فِي الْأَعْرابِ﴾ وسكّان البادية هم ﴿يَسْئَلُونَ﴾ كلّ قادم من المدينة ﴿عَنْ أَنْبائِكُمْ﴾ وأخباركم ، وما جرى عليكم ﴿وَلَوْ كانُوا﴾ في الكرّة الثانية أيضا ﴿فِيكُمْ ما قاتَلُوا﴾ أعداءكم ﴿إِلَّا قَلِيلاً﴾ خوفا من التعيير وظهور نفاقهم.
ثمّ وعظ الله المسلمين بقوله : ﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ﴾ أيّها المسلمون ﴿فِي﴾ أفعال ﴿رَسُولِ اللهِ﴾ وأخلاقه وخصاله من الثبات في الجهاد ، وتحمّل المشاقّ والشدائد في جنب الله ، وفي مرضاته ﴿أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ وسنّة صالحة يحقّ التأسي والاقتداء بها ﴿لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ﴾ وثوابه ﴿وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ ونعمه ، أو مجيأه ﴿وَذَكَرَ اللهَ﴾ في جميع أوقاته وأحواله ﴿كَثِيراً﴾ بقلبه ولسانه ، ولا يغفل عنه ، فانّ المتأسّي بالرسول صلىاللهعليهوآله من قرن بين الرجاء المذكور ودوام الذكر الموجب لملازمة التقوى والطاعة.
ثمّ أنّه تعالى بعد ذمّ المنافقين وضعفاء الايمان بالجبن والفرار عن القتال ؛ وتكذيب وعد الله
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ١٨٤ ، تفسير الصافي ٤ : ١٧٦.