واليهود ﴿وَمِنْ﴾ الوادي الذي كان في ﴿أَسْفَلَ﴾ وأنزل ﴿مِنْكُمْ﴾ ومن معسكركم وجهة غربية ، وهم قريش ومن معهم من القبائل ﴿وَ﴾ اذكر ﴿إِذْ زاغَتِ﴾ وتحيّرت ﴿الْأَبْصارُ وَ﴾ شخصت ﴿بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ﴾ من الرّعب والخوف.
قيل : إنّ الرئة تنتفخ من شدّة الرّعب ، فيرتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة (١) ومنتهى الحلقوم ، ولو لا ضيقه بها لخرجت من الجوف. والمراد أنّه كادت أن تبلغ القلوب الحناجر خوفا على أنفسهم من الأحزاب الذين كانوا أضعافهم ، وعلى ذراريهم في المدينة من اليهود الذين نقضوا عهد الرسول صلىاللهعليهوآله وأرادوا الإغارة عليهم فيها.
﴿وَتَظُنُّونَ﴾ أيّها المظهرون للايمان ﴿بِاللهِ﴾ الذي وعدكم النصر ﴿الظُّنُونَا﴾ المختلفة ، فانّ المخلصين ظنّوا إنجاز وعده وامتحانهم ، وظنّ الضعاف القلوب والايمان والمنافقون القتل والأسر والغارة وخلف الله وعده أو كذبه ﴿هُنالِكَ﴾ وفي ذلك الوقت ، أو الموطن ﴿ابْتُلِيَ﴾ واختبر ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ بالحصر والرّعب ، وظهر المخلص من المنافق ، والثابت من المتزلزل ﴿وَزُلْزِلُوا﴾ واضطربوا ﴿زِلْزالاً﴾ واضطرابا ﴿شَدِيداً﴾ وأزعجوا وحرّكوا إزعاجا وحراكا قويا من شدّة الفزع.
﴿وَ﴾ اذكر ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ﴾ ومسرّو الكفر كمعتّب بن قشير وأتباعه ، ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ ضعف الايمان ، أو الشكّ لمّا رأوا قوّة العدو وشوكتهم ، أو حفر الخندق مع وعده صلىاللهعليهوآله بفتح الممالك ﴿ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ﴾ بالنصر والغلبة وإعلاء الدين ﴿إِلَّا غُرُوراً﴾ ووعدا باطلا ، أو إيقاعا في الخطر والمهلكة بالخدعة ، ﴿وَ﴾ اذكر ﴿إِذْ قالَتْ﴾ فرقة من المنافقين و﴿طائِفَةٌ مِنْهُمْ﴾ كأوس بن قبطي وتابعيه في الرأي لأهل المدينة : ﴿يا أَهْلَ يَثْرِبَ﴾ وسكّان المدينة ﴿لا مُقامَ لَكُمْ﴾ في معسكر محمد ، ولا يصحّ توقّفكم فيه مع كثرة العدوّ ووضوح هلاككم بأيديهم ﴿فَارْجِعُوا﴾ إلى منازلكم بالمدينة ، واحفظوا أنفسكم من القتل والأسر ، وأموالكم من النهب ، واتركوا محمدا بين أعدائه حتى يفعلوا به ما أرادوا ﴿وَيَسْتَأْذِنُ﴾ في الرجوع ﴿فَرِيقٌ مِنْهُمُ﴾ كبني حارثة وبني سلمة ﴿النَّبِيَ﴾ حفظا لخاطره احتياطا ، وتحصيلا لرضاه عنهم ، وهم ﴿يَقُولُونَ﴾ اعتذارا من الرجوع : يا رسول الله ﴿إِنَّ بُيُوتَنا﴾ ومنازلنا في المدينة ﴿عَوْرَةٌ﴾ ومختلّة وخربة يخاف منها العدوّ والسّرّاق ، لإمكان دخولهم فيها بسهولة ، فنرجع ونسدّ خللها ، ونعمّر خرابها ونحصّنها من الدخول فيها ، ثمّ نرجع إلى معسكرك ، ونكون معك.
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٧ : ٩٣ ، تفسير روح البيان ٧ : ١٤٨.