قيل : كان النبيّ صلىاللهعليهوآله يأذّن لهم في الرجوع (١) ، فردّهم الله وأكذب عذرهم بقوله : ﴿وَما﴾ تلك البيوت ، وليست ﴿هِيَ بِعَوْرَةٍ﴾ ومختلّة ، بل هي معمورة حصينة محرزة.
عن الصادق عليهالسلام : « بل هي رفيعة السّمك حصينة » (٢) .
وعن الباقر عليهالسلام : « كانت بيوتهم في أطراف البيوت حيث ينفرد الناس ، فأكذبهم الله » (٣) بقوله : ﴿إِنْ يُرِيدُونَ﴾ بقولهم ذلك وما يقصدون من عذرهم ﴿إِلَّا فِراراً﴾ من القتال حبّا للحياة ، وتكذيبا للرسول في وعده بالنصر.
قيل : قد صحّ أنّه فرّ إلى المدينة كلّ من في قلبه مرض ، وبقي مع الرسول صلىاللهعليهوآله أهل اليقين (٤) .
﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً
* وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ
مَسْؤُلاً (١٤) و (١٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه شدّة اشتياقهم إلى الكفر بقوله : ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ﴾ بيوتهم وهم فيها ، وكان الدخول ﴿عَلَيْهِمْ مِنْ﴾ جميع ﴿أَقْطارِها﴾ وجوانبها لكثرة الخلل فيها ﴿ثُمَّ سُئِلُوا﴾ من قبل طائفة اخرى كافرة ، وطلبوا منهم ﴿الْفِتْنَةَ﴾ والرجعة إلى الشّرك والكفر ، والله ﴿لَآتَوْها﴾ وأعطوها السائلين وأجابوهم إليها غير مبالين بما دهاهم من الداهية والغارة ﴿وَما تَلَبَّثُوا﴾ باجابة الفتنة ، وما تمكّثوا ﴿بِها﴾ زمانا ﴿إِلَّا﴾ زمانا ﴿يَسِيراً﴾ وقليلا قدر ما يسمعون السؤال ويردّون الجواب فضلا عن التعلّل باختلال البيوت عند سلامتها ، كما فعلوا الآن ، وما ذلك إلا لبغضهم للاسلام وأهله ، وحبّهم للكفر وأهله ، ﴿وَ﴾ هم والله ﴿لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ﴾ حين انهزموا يوم احد ، ونزل فيهم آيات اللّوم والعتاب ، أنّهم في جهاد الكفّار ﴿لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ﴾ ولا يتركون العدوّ في قتال خلف ظهورهم ، ولا يفرّون منه كما فرّوا في ذلك اليوم ، ومع ذلك فرّوا في هذه الوقعة ، ويستأذنوك في الرجوع نقضا لذلك العهد ﴿وَ﴾ الحال أنّه ﴿كانَ عَهْدُ اللهِ﴾ يوم القيامة ﴿مَسْؤُلاً﴾ عنه هل وفي به أو نقض ، ويعاقب على نقضه.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ١٥١.
(٢) مجمع البيان ٨ : ٥٤٥ ، تفسير الصافي ٤ : ١٦٩ ، وسمك البيت : سقفه.
(٣) تفسير العياشي ٢ : ٢٥٠ / ١٨٦٦ ، تفسير الصافي ٤ : ١٦٩.
(٤) تفسير روح البيان ٧ : ١٤٩.