وفي رواية : أمر بمسجد في ناحية احد إلى راتج (١) ، وجعل على كلّ عشرين أو ثلاثين خطوة قوما من الأصحاب يحفرونه ، وبدأ بنفسه ، فأخذ معولا ، فحفر في موضع المهاجرين بنفسه ، وعليّ عليهالسلام ينقل التّراب ، حتى عرق النبي صلىاللهعليهوآله وعيي ، وقال : « لا عيش إلّا عيش الآخرة ، اللهمّ اغفر للأنصار والمهاجرين » . فلمّا نظر الناس إليه اجتهدوا في الحفر (٢) ، وكلّما عرض لهم جبل شكوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فيجيء ويضرب المعول ، فيصير كثيبا مهيلا ، قال سلمان : ضربت في ناحية من الخندق فغلظت عليّ ، فاخذ المعول من يدي وقال : « بسم الله » (٣).
وفي رواية : دعا بماء فغسل وجهه وذراعيه ، ومسح على رأسه ورجليه ، ثمّ شرب ومجّ من ذلك الماء في فيه ، ثمّ صبّه على ذلك الحجر ، ثمّ أخذ معولا فبرقت برقة (٤) ، وكسر ثلث الحجارة ، فخرج منها نور من قبل اليمن كالمصباح في جوف الليلة المظلمة ، فكبّر رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : « اعطيت مفاتيح اليمن ، والله إنّي لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة كأنّها أنياب الكلاب » (٥) . ثمّ وفي رواية: « فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور المدائن » (٦) ، ثمّ ضرب اخرى قطع ثلثا آخر ، وبرق منها برقة ، فخرج نور من قبل الرّوم ، فكبّر رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : « اعطيت مفاتيح الشام ، والله لابصر قصورها » (٧) . وفي رواية نظرنا فيها إلى قصور الشام (٨) ، ثمّ ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر ، وبرق منها برقة ، فخرج نور من قبل فارس ، فكبّر رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : اعطيت مفاتيح فارس ، والله إنّي لابصر قصور الحيرة ومدائن كسرى ، كأنّها أنياب كلاب ، وجعل يصف لسلمان أماكن فارس ، ويقول سلمان : صدقت. ثمّ قال : «هذه فتوح يفتحها الله بعدي يا سلمان » (٩).
وفي رواية جابر : فنظرنا فيها إلى قصور المدائن ، فقال رسول الله : أما إنّه سيفتح الله عليكم هذه المواضع التي برق فيها البرق ، ثمّ انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل ، فقال جابر : فعلمت أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله جائع لمّا رأيت على بطنه الحجر ، فقلت : يا رسول الله ، هل لك في الغذاء ؟ قال : « ما عندك ؟ » قلت : عناق (١٠) وصاع من شعير. فقال : تقدّم وأصلح ما عندك.
قال جابر : فجئت إلى أهلي ، فأمرتها فطحنت الشعير ، وذبحت المعز وسلختها ، وأمرتها أن تخبز
__________________
(١) راتج : أطمة ( حصن ) من آطام المدينة. « الروض المعطار : ٢٦٦ » ، وفي النسخة : رابح.
(٢) تفسير القمي ٢ : ١٧٧.
(٣) تفسير روح البيان ٧ : ١٤٤.
(٤) تفسير القمي ٢ : ١٧٨.
(٥) تفسير روح البيان ٧ : ١٤٤.
(٦) تفسير القمي ٢ : ١٧٨.
(٧) تفسير روح البيان ٧ : ١٤٥.
(٨) تفسير القمي ٢ : ١٧٨.
(٩) تفسير روح البيان ٧ : ١٤٥.
(١٠) العناق : الانثى من المعز.