أطنابها ، وأطفأت نيرانهم ، وأكفأت قدورهم ، ونفثت الرّعب في قلوبهم ، وكبّرت في جوانب معسكرهم حتى سمعوا التكبير وقعقعة السلاح ، واضطربت خيولهم حتى قال رؤساؤهم : النّجا النّجا ، فانهزموا ليلا من غير قتال ، وتركوا ما استثقلوا من أمتعتهم ﴿وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ من حفر الخندق ، وتدبير أمر الحرب ، وترتيب أسبابه ، والثبات على الايمان ، والجدّ في الصالحات ﴿بَصِيراً﴾ وشاهدا ، فيجازيكم عليه أفضل الجزاء. واعلم أنّ الآية وما بعدها نزلت في غزوة الأحزاب.
قصة غزوة الأحزاب
روي أنّه كان في المدينة ونواحيها بطنان من اليهود ؛ أحدهما بنو قريظة ، والآخر بنو النّضير ، فلمّا قدم النبيّ صلىاللهعليهوآله المدينة صالحهم على أن يكونوا معه ، ولا يكونوا عليه ، فذهب الرسول صلىاللهعليهوآله يوما مع بعض أصحابه إلى قرية بني النّضير يقال لها زهرة لحاجة ، فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم ، فعزموا على قتله صلىاللهعليهوآله ، وصعد بعضهم على سطح بيت ليلقي عليه صخرة ، فأخبره جبرئيل بما أرادوا ، فقام ورجع إلى المدينة ، فلمّا رأى منهم نقض العهد ، أرسل إليهم محمد بن مسلمة أن اخرجوا من أرض المدينة. فامتنعوا ، فخرج الرسول صلىاللهعليهوآله مع أصحابه لمحاربتهم ، فحاصرهم ستّ ليال ، وقذف الله في قلوبهم الرّعب. فسألوا الرسول صلىاللهعليهوآله أن يجليهم ويكفّ عن دمائهم ، فقبل عليهالسلام مسألتهم وأجلاهم ، فسار سيّدهم حييّ بن أخطب وجمع من كبرائهم إلى قريش ، وحرّضوهم على حرب رسول الله صلىاللهعليهوآله فوافقهم قريش.
ثمّ ساروا إلى غطفان وقبائل اخر ، وحرّضوهم على ذلك ، فتجهّزت قريش ومن اتّبعهم من القبائل ، وعقدوا اللواء في دار الندوة ، وكان مجموع الأحزاب من قريش ، وغطفان ، وبني مرّة ، وبني أشجع ، وبني أسد ، وبني سليم ، وكنانة ، ويهود بني قريظة ، وبني النضير ، وغيرهم قدر اثني عشر ألفا ، وقائد الكلّ أبو سفيان.
فأتى ركب من خزاعة في أربع ليال إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وأخبروا به ، فاستشار صلىاللهعليهوآله أصحابه في أمر العدوّ هل يبرزون من المدينة ، أو يقيمون فيها.
قصة حفر الخندق وذكر إعجاز النبي صلىاللهعليهوآله
فقال سلمان : يا رسول الله ، إنّا كنّا إذا تخوّفنا لعدوّ بأرض فارس ، حفرنا علينا خندقا ، يكون بيننا وبينهم حجاب ، وتكون الحرب في مواضع معروفة ، ولا يمكنهم أن يأتونا من كلّ وجه ، فنزل جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : أشار سلمان بصواب ، فسار صلىاللهعليهوآله مع أصحابه - وهم ثلاثة آلاف (١) ، أو سبعمائة (٢) - إلى احد ، أو إلى جبل سلع ، وجعل أسفله المعسكر.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ١٤٣.
(٢) تفسير القمي ٢ : ١٧٧.