شأنه المقتضية لاعطائه الولاية المطلقة بقوله : ﴿وَإِذْ أَخَذْنا.﴾ قيل : إنّ التقدير واذكر يا محمد وقت أخذنا (١)﴿مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ كافة حين تحميلهم الرسالة في الذرّ ، أو في هذا العالم ﴿مِيثاقَهُمْ﴾ وعهودهم بتبليغ الرسالة وتحمّل أعبائها.
ثمّ خصّ اولي العزم منهم بالذّكر مع دخولهم في النبيّين ، تعظيما لهم ، مقدّما لذكر حبيبه إعلانا بشرفه عليهم بقوله : ﴿وَمِنْكَ﴾ يا حبيبي ﴿وَمِنْ نُوحٍ﴾ الذي هو أوّل اولي العزم ، وأصل بني آدم بعد الطّوفان ﴿وَإِبْراهِيمَ﴾ الذي يفتخر به العرب ﴿وَمُوسى﴾ الذي يتديّنون بدينه اليهود ﴿وَعِيسَى﴾ الذي تنسب النصارى دينهم إليه ، ولم يكن له أب ، ولذا يكنى ب ﴿ابْنِ مَرْيَمَ﴾.
ثمّ أكّد سبحانه أخذ الميثاق بقوله : ﴿وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً﴾ وعهدا أكيدا تعقبه المسؤولية الشديدة ﴿لِيَسْئَلَ﴾ الله هؤلاء ﴿الصَّادِقِينَ﴾ في دعوة النبوة ، والإخبار عن الله ﴿عَنْ﴾ علّة ﴿صِدْقِهِمْ﴾ كان لوجه الله ، أو للرياء وطلب الدنيا ﴿وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ﴾ والمكذّبين لهم في الآخرة ﴿عَذاباً أَلِيماً﴾.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ
رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً * إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ
وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ
الظُّنُونَا * هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ
الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً * وَإِذْ
قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ
النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (٩) و (١٣)﴾
ثمّ حثّ المؤمنين على تخليص الايمان بذكر معجزة النبيّ صلىاللهعليهوآله التي كانت دليلا على صدقه ، ونعمة عليهم ، ولطفا من الله بهم بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ﴾ واشكروها ﴿إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ﴾ وأحزاب من قريش و غطفان وكنانة وبني سليم وأشجع واليهود وغيرهم ، ليستأصلوكم ، فدعا الرسول والمؤمنون ﴿فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ﴾ إجابة لدعائكم وإنجازا لما وعدكم رسولكم ﴿رِيحاً﴾ باردة يقال لها الصّبا في ليلة شاتية ، فأحصرتهم ، ولم يجاوز معسكرهم ، وسفت التراب في وجوههم ﴿وَجُنُوداً﴾ من الملائكة ، وأنتم ﴿لَمْ تَرَوْها﴾ فقلعت أوتار خيامهم ، وقطعت
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٧ : ٩١ ، تفسير روح البيان ٧ : ١٤١.