جهنّم من الجنّة والناس أجمعين. ويقول الله : يا آدم ، أعلم أنّي لا أدخل من ذرّيتك النار أحدا ولا اعذّب منهم بالنار أحدا ، إلّا من علمت أنّي لو رددته إلى الدنيا لعاد إلى أشرّ ممّا كان فيه ، ولم يرجع ولم يتب » الخبر (١) .
﴿فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ * إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ
رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً
وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ
جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤) و (١٧)﴾
ثمّ كأنه تعالى قال : إذا علمتم أنّه لا يمكن رجوعكم إلى الدنيا ﴿فَذُوقُوا﴾ وأطعموا طعم نار جهنّم ﴿بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ﴾ الله في ﴿يَوْمِكُمْ هذا﴾ اليوم العظيم الهائل ، وتركتم النظر والتفكّر في أدلّة المعاد ، وانهمكتم في الشهوات ولذائد الدنيا ، وغفلتم عن الدار الآخرة ﴿إِنَّا﴾ أيضا لا ننظر إليكم اليوم نظر الرحمة ، كأنّا ﴿نَسِيناكُمْ﴾ وغفلنا عنكم وتركناكم فيما أنتم فيه من العذاب ﴿وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ﴾ والدائم الذي لازم نسيانكم ، لا بسبب نسيانكم اليوم فقط ، بل به و﴿بِما كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَعْمَلُونَ﴾ من القبائح والمعاصي ، كتكذيب الرسول وإيذائه ، وإيذاء المؤمنين به ، ونظائرهما من فنون الكبائر.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان إنكار المشركين آيات التوحيد والمعاد وسوء حالهم في الآخرة ، بيّن تعظيم المؤمنين لأدلّة التوحيد والمعاد ، وإظهار خضوعهم وانقيادهم عند سماعهم الآيات الدالات عليهما وحسن حالهم في الآخرة بقوله : ﴿إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا﴾ الدالة على التوحيد والمعاد ﴿الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا﴾ ووعظوا ﴿بِها﴾ وسمعوها من الرسول ، أو المؤمنين ﴿خَرُّوا﴾ وسقطوا إلى الأرض حال كونهم ﴿سُجَّداً﴾ وخضعوا وأظهروا الانقياد لها ﴿وَسَبَّحُوا﴾ لله ونزّهوه عن الشّرك ، والولد ، وخلق العالم عبثا ، والعجز عن إعادة الخلق لجزاء الأعمال ، وغير ذلك ممّا لا يليق به ، مقرنين تسبيحهم ﴿بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ على نعمه التي أعظمها التوفيق للايمان به وبآياته ، والتسليم لأحكامه وأوامره ، والرغبة والشوق إلى طاعته ، والعمل بمرضاته ﴿وَهُمْ﴾ لمعرفة أنفسهم بذلّة العبودية ومعرفة ربّهم بعظمة الالوهية والربوبية ﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ ولا يتعظّمون ولا يترفّعون عن السجود والانقياد له ، والتذّلل والخضوع عنده ، وبذل الجهد في طاعته وعبادته ، بل يهتمّون في القيام بوظائف العبودية
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ١١٧.