﴿وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا
فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ
الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٢) و (١٣)﴾
ثمّ ذكر سبحانه حال حضورهم عنده بقوله : ﴿وَلَوْ تَرى﴾ يا من شأنه الرؤية ﴿إِذِ الْمُجْرِمُونَ﴾ المنكرون للمعاد ﴿ناكِسُوا﴾ ومطرقو ﴿رُؤُسِهِمْ﴾ ومطأطئوها حين الحضور ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ خوفا وحياء وحزنا لترى عجبا. ويمكن أن يكون : لو لا نشاء التمنّي ، إظهارا لكمال الفضاعة ، وهم يقولون : يا ﴿رَبَّنا أَبْصَرْنا﴾ ما وعدتنا بوقوعه من الحشر للحساب وجزاء الأعمال ﴿وَسَمِعْنا﴾ نصح رسولك ومواعظه في الدنيا ، فلم نعتن بوعدك ، وكذّبنا رسولك ، أو المراد صرنا الآن بصيرين وسميعين بعد ما كنا في الدنيا عميا وصمّا ﴿فَارْجِعْنا﴾ إلى الدنيا وردّنا إليها ﴿نَعْمَلْ﴾ عملا ﴿صالِحاً﴾ مرضيا عندك ، نافعا لنا في هذا اليوم ﴿إِنَّا﴾ الآن ﴿مُوقِنُونَ﴾ بتوحيدك ، ورسالة رسولك ، وصدق وعدك ، كاملون في الايمان بجميع ما يجب الايمان به ، فاذا رجعنا إلى دار التكليف لا نقصّر في امتثال تكاليفك.
ثمّ ردّهم الله بالاشارة إلى امتناع الرجوع إلى الدنيا ، لعدم الفائدة في الايمان الضّروري القهري بقوله : ﴿وَلَوْ شِئْنا﴾ الهداية القهرية ، والايمان الضروري لبني آدم في الدنيا ، والله ﴿لَآتَيْنا﴾ وأعطينا ﴿كُلَّ نَفْسٍ﴾ من النفوس البرّة والفاجرة ما يكون به ﴿هُداها﴾ وإيمانها بما يجب الايمان به وانبعاثها إلى الأعمال الصالحة ﴿وَلكِنْ﴾ جعلنا الدنيا دار التكليف والامتحان ، وبعثنا إليهم الرسول ، وأنزلنا عليهم الكتاب ، وسلّطنا عليهم الشيطان المغوي والمهوي المردي ، وأعطيناهم العقل وقوّة تميّز الخير والشرّ ، وأوكلناهم إلى اختيارهم ، ليتميّز الخبيث من الطيب ، والناجي من المطيع ، والقابل للفيوضات من غير القابل ، و﴿حَقَّ الْقَوْلُ﴾ وسبق الوعيد الصادر منّي ، وهو قولي : وعزتي ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾ في الآخرة ﴿مِنَ﴾ كفرة ﴿الْجِنَّةِ﴾ والشياطين ﴿وَ﴾ كفرة ﴿النَّاسِ﴾ وذرّية آدم ، والعصاة منهم ﴿أَجْمَعِينَ﴾ حيث قال بعد قول إبليس ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾(١) : الحقّ والحقّ أقول لأملئنّ جهنّم منك وممّن تبعك منهم أجمعين.
عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « ليعتذرون الله إلى آدم ثلاث معاذير يقول الله : يا آدم ، لو لا أنّي لعنت الكذّابين وأبغضت الكذب والخلف واعذّب عليه ، لرحمت اليوم ولدك أجمعين من شدّة ما أعددت لهم من العذاب ، ولكن حقّ القول منّي لئن كذّب رسلي وعصي أمري لأملأنّ
__________________
(١) الحجر : ١٥ / ٣٩.