القيامة ، فيكون مقدار ذلك اليوم ألف سنة من سني الدنيا (١) . وقد سبقت أخبار في هذا المعنى (٢) .
وقيل : يعني ينزل أمره من السماء إلى الأرض على عباده ، ثمّ تعرج إليه أعمالهم الصالحة الصادرة على موافقة ذلك الأمر (٣) ، وإنّما أسند العروج إلى الأمر ، لأنّ العمل أثره ، والمراد من اليوم امتداد زمان نزول الأمر وصعود العمل ، فانّ مسافة ما بين السماء والأرض خمسمائة سنة بسير أهل الأرض ، فيكون مسافة النزول والصعود ألف سنة.
وقيل : إن المراد أنّه تعالى يرسل ملكا لتدبير أمر الأرض ، ثمّ يعرج إلى مكانه في السماء ، فينزل الملك من السماء ويعرج إلى مكانه في مدّة لو سار أحد من الناس تلك المسافة لسارها في زمان يكون مقداره ألف سنة (٤) .
وقيل : إنّ المراد من السماوات والأرض عالم الأجسام ، والمراد من الأمر عالم الأرواح الذي يقال له عالم الأمر (٥) ، والمراد من اليوم الذي مقداره ألف.
﴿ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ
وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ
سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما
تَشْكُرُونَ (٦) و (٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان عظمة ملكه ونفوذ أمره ، بيّن سعة علمه بجزئيات مملكته ، وإحاطته بخفاياها بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ المدبّر لامور الخلق ﴿عالِمُ الْغَيْبِ﴾ وما يخفى عن الحواسّ ، أو الأشياء التي لم توجد بعد ، أو الآخرة ، أو عالم الأمر ﴿وَ﴾ عالم ﴿الشَّهادَةِ﴾ والمحسوس ، أو الموجودات الفعلية ، أو عالم الدنيا ، أو عالم الأجسام ﴿الْعَزِيزُ﴾ الغالب القاهر على كلّ شيء ، أو على الانتقام من الكفرة والعصاة ﴿الرَّحِيمُ﴾ بعباده في تدبير امورهم ، أو البررة منه بتوفيقهم للخيرات وإنجائهم يوم القيامة من الأهوال والعذاب.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان الآيات الآفاقية ، بيّن الأدلة الأنفسية بقوله : ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ من السماوات والأرض وما بينهما من الموجودات ، بأن أوجده على ما ينبغي ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ﴾ الذي هو أعجب المخلوقات ، وأنموذج ما في العالم بخلق آدم عليهالسلام ﴿مِنْ طِينٍ﴾ مأخوذ من وجه
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ١٦٨ ، تفسير الصافي ٤ : ١٥٣.
(٢) في سورة الحج.
(٣) تفسير الرازي ٢٥ : ١٧٢.
(٤) تفسير روح البيان ٧ : ١٠٨ و١٠٩.
(٥) تفسير الرازي ٢٥ : ١٧٢.