سنان وإن كان نبيا عربيا ، ولكن لم يعش في العرب بحيث تبلغ دعوته (١) ، والأظهر هو الوجه الأوّل.
قيل : إنّ كلمة الترجّي باعتبار حال النبي صلىاللهعليهوآله ، والمعنى لتنذرهم راجيا لهدايتهم (٢) إلى التوحيد والمعارف والدين الحقّ ، فان الغرض من بعث الرسول الهداية إلى الدين ، وتكميل النفوس ، وتربية الذوات المستعدة للترقيّات المعنوية ، القابلة للنيل إلى الفيوضات الأبدية.
﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى
الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ
السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا
تَعُدُّونَ (٤) و (٥)﴾
ثمّ شرع في هدايتهم ببيان أدلّة توحيده بقوله : ﴿اللهُ﴾ الواجب الوجود هو ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ والعوالم العلوية والسّفلية ﴿وَما بَيْنَهُما﴾ من الموجودات ﴿فِي﴾ مقدار ﴿سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ من أيّام الدنيا من الزمان ، وإنّما خلقها في تلك المدّة مع قدرته على خلقها في أقلّ من طرفة عين ، ليتعلّم العباد التأنّي في الامور وترك العجلة فيها ﴿ثُمَّ اسْتَوى﴾ وأستولى بالعلم والقدرة ﴿عَلَى الْعَرْشِ﴾ وقد مرّت الوجوه في تلك القضية ، فاذا كان الأمر كذلك ، فأنيبوا إليه ، وتوكّلوا عليه ، واجتهدوا في عبادته ، وخافوا عذابه ، فانّه ﴿ما لَكُمْ﴾ أيّها الناس ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ وممّا سواه ﴿مِنْ وَلِيٍ﴾ وحافظ لصلاحكم ، وناصر عند ابتلائكم ﴿وَلا شَفِيعٍ﴾ يدفع عنكم عذابه بشفاعته ، ويجيركم من بأسه ﴿أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ﴾ قيل : يعني ألا تسمعون هذه المواعظ ، فلا تتذكرون (٣) بها ما طبعه الله في فطرتكم من التوحيد ومعارفه ؟
ثمّ بالغ سبحانه في بيان قدرته وحكمته بقوله : ﴿يُدَبِّرُ﴾ وينظّم ﴿الْأَمْرَ﴾ الكائن في عالم الوجود ، وينزل أسبابه ﴿مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ ويستمرّ ذلك التدبير إلى انقضاء الدنيا ﴿ثُمَّ يَعْرُجُ﴾ ويصعد ﴿إِلَيْهِ﴾ ذلك التدبير وأسبابه ، أو الأمر وينقضي ﴿فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ﴾ وطول امتداده ﴿أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ في الدنيا من السنين لانقضاء الدنيا بمجيء يوم القيامة.
القمي : يعني الامور التي يدبّرها ، والامر والنهي الذي أمر به ، وأعمال العباد ، كلّ هذا يظهر يوم
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ١٠٧.
(٢) تفسير أبي السعود ٧ : ٨٠ ، تفسير روح البيان ٧ : ١٠٧.
(٣) تفسير أبي السعود ٧ : ٨٠ ، تفسير روح البيان ٧ : ١٠٨.