في تفسير سورة السجدة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿الم * تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (١) و (٣)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة [ لقمان ] المباركة المتضمّنة لإثبات التوحيد والمعاد ، والتهديد على إنكارهما ، اردفت بسورة السجدة المتضمّنة لإثبات النبوة وعظمة القرآن والتوحيد والمعاد ، فابتدأها بذكر الأسماء المباركات تيمنّا وتعليما للعباد بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ افتتحها بذكر الحروف المقطّعة بقوله : ﴿الم﴾ توجيها للقلوب إلى المطالب المهمّة التي تذكر بعدها ، منها بيان عظم القرآن بقوله : ﴿تَنْزِيلُ﴾ هذا ﴿الْكِتابِ﴾ المسمّى بالقرآن ، المتضمّن للعلوم والأحكام والآداب التي بها تربية نفوس أهل العالم وتكميلها ﴿لا رَيْبَ﴾ ولا شكّ ﴿فِيهِ﴾ أنّه ﴿مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ ومع ذلك أتعترف قريش به ﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ عنادا ولجاجا : إن محمدا اختلقه من نفسه مع كونه امّيا ﴿افْتَراهُ﴾ على الله ونسبه إليه كذبا ، ألا ليس نزوله من الله كذبا ﴿بَلْ هُوَ الْحَقُ﴾ النازل ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ اللطيف بك ، وإنّما كان إنزاله ﴿لِتُنْذِرَ﴾ وتخوّف به من العذاب على الشّرك والكفر والعصيان ﴿قَوْماً﴾ وجماعة ﴿ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ﴾ ورسول من الله ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾ وقبل بعثتك ، ولذا يكونون أضلّ الناس وأجهلهم و أحوجهم إلى الإنذار ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ بهدايتك وإنذارك ينجون من ظلمة الجهل ووادي الضلال و﴿يَهْتَدُونَ﴾ إلى دين الحقّ ، ويرشدون إلى الخيرات الدنيوية والاخروية.
والظاهر أنّ المراد من القوم جميع أهل عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فانّهم كانوا في غاية الضّلال ، ولم يأتهم نبي قبل خاتم الأنبياء ، وكان واجبا على الله من باب اللّطف أن يبعث فيهم رسولا يهديهم إلى الحقّ لئلّا يكون لهم على الله الحجة بعد بعثته.
وقيل : إنّ المراد خصوص العرب ، والمراد بعدم إتيانهم النذير عدم إتيان آبائهم نبيّ من العرب ، فانّ إسماعيل كان مبعوثا إلى قومه خاصة ، وعيسى ومن بعده من الأنبياء لم يكونوا من العرب ، وخالد بن