كالقطرة بالنسبة إلى البحار كلّها (١) .
وقيل : إنّها نزلت ردّا على المشركين حيث قالوا : إنّ القرآن يوشك أن ينفد وينقطع (٢) .
﴿ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ
يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ
وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٨) و (٣٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إثبات توحيده بكمال علمه وقدرته وحكمته ، وكان المعاد مقتضى قدرته وحكمته ، استدلّ عليه بكمال قدرته بقوله : ﴿ما خَلْقُكُمْ﴾ في الدنيا ﴿وَلا بَعْثُكُمْ﴾ وإحياؤكم ثانيا في الآخرة ، وإخراجكم من القبور مع كثرتكم في السهولة ﴿إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ خلقا وبعثا ، فكما أنّ إيجاد نفس واحدة لا يحتاج إلّا إلى إرادته ، كذلك إيجاد النفوس الكثيرة لا يتوقّف إلّا عليها ﴿إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ﴾ لكلّ مسموع ، فيسمع مقالات الناس في أمر البعث ﴿بَصِيرٌ﴾ لكلّ مبصر فيبصر الأحياء والأموات. قيل : إنّ الآية نزلت في ردّ مشركي قريش حيث قالوا : إنّ الله خلقنا أطوارا نطفة وعلقة ومضغة ولحما ، فكيف يبعثنا خلقا جديدا في ساعة واحدة (٣) ؟
ثمّ استدلّ سبحانه على قدرته على الخلق الجديد وإيلاج الروح فيه ببعض آثار تسخير ما في السماوات بقوله : ﴿أَ لَمْ تَرَ﴾ ولم تعلم علما نازلا منزلة الرؤية يا محمد أو يا من شأنه الرؤية ﴿أَنَّ اللهَ﴾ بقدرته ﴿يُولِجُ﴾ ويدخل ﴿اللَّيْلَ فِي النَّهارِ﴾ ويجعلهما متعاقبين ، أو يجعل بعض ساعات الليل في النهار ، ولا نقص من الاول والزيادة في الثاني ﴿وَيُولِجُ النَّهارَ﴾ ويدخله ﴿فِي اللَّيْلِ﴾ بإذهاب الثاني وإتيان الاول مكانه ، أو بتنقيص الاول والزيادة في الثاني.
القمي ، يقول : ما ينقص من الليل يدخل في النهار ، وما ينقص من النهار يدخل في الليل (٤) .
﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ وساقهما بالقهر وسيّرهما على وفق الحكمة ﴿كُلٌ﴾ منهما ﴿يَجْرِي﴾ في فلكه بحركته القسرية حركة مستمرة ﴿إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ وانقضاء وقت معين قدّرة الله بحكمته ، وهو مجيئ يوم القيامه. وقيل : هو منتهى دورتهما ، ففي الشمس سنة ، وفي القمر شهر (٥) . ﴿وَ﴾ ألم تعلم
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٩٤.
(٢) تفسير روح البيان ٧ : ٩٤.
(٣) تفسير روح البيان ٧ : ٩٦.
(٤) تفسير القمي ٢ : ١٦٧ ، تفسير الصافي ٤ : ١٥٠.
(٥) تفسير أبي السعود ٧ : ٧٦ ، تفسير روح البيان ٧ : ٩٧.