التوحيد بحيث لا يمكن للمكابر إنكارها ، فليس شركهم لإنكاره ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ أنّ مقتضى اعترافهم تصديقك ، أو لازمه ترك الشّرك وعبادة الله وحده.
ثمّ لمّا اعترفوا بأنّ الله خالق السماوات والأرض ، فعليهم أن يعترفوا بأنّ ﴿لِلَّهِ﴾ وحده ﴿ما فِي السَّماواتِ﴾ من الملائكة الذين يقول بعضهم : إنّهم بنات الله ، ومن الكواكب التي يعبدها كثير من المشركين ﴿وَ﴾ ما في ﴿الْأَرْضِ﴾ من الأصنام وغيرها من الأشياء ، ولا يحتاج إلى شيء من الموجودات وعبادتهم وحمدهم ، بل ﴿إِنَّ اللهَ﴾ بذاته ﴿هُوَ الْغَنِيُ﴾ عمّا سواه ﴿الْحَمِيدُ﴾ في ذاته وصفاته وأفعاله ، وإن لم يحمده شيء.
﴿وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما
نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧)﴾
ثمّ لمّا ذكر مالكيته لما في العالم العلويّ والسّفلي ، وكان محالا توهّم حصر سلطانه في العالمين المحدودين ، بيّن أنّ له مخلوقات لا نهاية لها بقوله : ﴿وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ﴾ كلّ ﴿شَجَرَةٍ﴾ بالفرض ﴿أَقْلامٌ﴾ كثيرة ﴿وَالْبَحْرُ﴾ المحيط بالعالم الذي لا ساحل له ولا يعلم عمقه إلّا الله ، ويتّصل به سائر البحار مداد ﴿يَمُدُّهُ﴾ ويزيده عند نفاده و﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ بالانصباب فيه ﴿سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ يوجدها ، قيل : إنّ السبعة هنا كناية عن العدد الكثير (١) ، والمعنى البحار الكثيرة علاوة على ما هو الموجود الآن ، وقيل : إنّ المراد بحر الصين ، وبحر التبت وبحر الهند ، وبحر السند ، وبحر فارس ، وبحر المشرق ، وبحر المغرب (٢) ، وإنّما جعلها ممدّة للبحر المحيط ، وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله ، ونفدت وفنيت تلك الأقلام والمداد و﴿ما نَفِدَتْ﴾ وما فنيت ﴿كَلِماتُ اللهِ﴾ وعجائب صنعه ، أو الكلمات الدالة على علمه وحكمته. قيل : إنّ إيثار جمع القلّة في ( كلمات ) للدلالة على أنّ ما ذكر لا يفي بالقليل منها ، فكيف بالكثير (٣) .
﴿إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ﴾ وقادر على كلّ شيء ﴿حَكِيمٌ﴾ ومحيط علمه بكلّ شيء. قيل : نزلت ردّا على اليهود حين سألوا رسول الله صلىاللهعليهوآله أو أمروا وفد قريش أن يسألوه عن قوله تعالى : ﴿وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً﴾(٤) وقد أنزل الله التوراة وفيها علم كلّ شيء ، والمراد أن العلم الذي في التوراة و[ سائر ما ] اوتي الانسان [ من الحكمة والمعرفة ] وإن كان كثيرا بالنسبة إليهم ، لكنّه بالنسبة إلى علم الله
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٩٥.
(٢) تفسير روح البيان ٧ : ٩٤.
(٣) تفسير أبي السعود ٧ : ٧٥ ، تفسير روح البيان ٧ : ٩٥.
(٤) الإسراء : ١٧ / ٨٥.