اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ * نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٢) و (٢٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذمّ الكفّار المجادلين في الله مدح المؤمنين المستسلمين له بقوله : ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ﴾ ونفسه ﴿إِلَى اللهِ﴾ تسليم المتاع لمالكه ، وأقبل بشراشره عليه وفوّص اموره له ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ في أعماله مجدّ في القيام بوظائف عبوديته ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ﴾ وتعلّق ﴿بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى﴾ والحبل المحكم الذي لا انقطاع له ، ولا يخاف معه من التردّي في مهاوي الهلاك والضلال في الدنيا ، ومن السقوط في الجحيم في الآخرة ، وتكون عاقبته أحمد العواقب ؛ لأنّ إلى الله يكون مآل جميع الأشياء ﴿وَإِلَى اللهِ﴾ تنتهي ﴿عاقِبَةُ﴾ جميع ﴿الْأُمُورِ﴾ فيجازي الموحّد المستسلم إليه أحسن الجزاء ، ويثيبه أفضل الثواب.
ثمّ لمّا ذكر لجاج الكفّار وجدالهم في التوحيد وتكذيبهم للرسول ، سلّاه سبحانه بقوله : ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ بالتوحيد وكذّبك فيه ﴿فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ﴾ وتكذيبه ، فانّه سيظهر لهم صدقك ، لأنّه بعد خروجهم من الدنيا يكون ﴿إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ﴾ وإلى محكمتنا مآبهم ﴿فَنُنَبِّئُهُمْ﴾ ونعلمهم بعد رجوعهم إلينا ﴿بِما عَمِلُوا﴾ في الدنيا من الكفر بالتوحيد وتكذيبك ، ولا يخفى علينا شيء من أعمالهم ﴿إِنَّ اللهَ﴾ الخالق لجميع أجزاء الخلق بقدرته ﴿عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ وما في قلوبهم من الضمائر والنيّات ، ولا تنظر إلى النّعم التي أنعمنا عليهم في الدنيا من الصحّة والجاه والمال والأولاد ، فانّا ﴿نُمَتِّعُهُمْ﴾ وننفعهم بنعمنا في الدنيا زمانا ﴿قَلِيلاً﴾ وإن طال عمرهم فانّه بالنسبة إلى عمرهم في الآخرة في غاية القصر.
ثمّ يموتون ويعذّبون في البرزخ ، ثم يبعثون من قبورهم إلى المحشر ﴿ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ﴾ ونلجئهم ﴿إِلى﴾ الورود في ﴿عَذابٍ غَلِيظٍ﴾ وعقاب دائم شديد غايته ، فعند ذلك يتبيّن لهم صدقك وكذبهم.
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ (٢٥) و (٢٦)﴾
ثمّ نبّه سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله على أنّ ظهور صدقه لهم لا يتوقّف على البراهين المذكورة ، ولا على مجيء الحشر ، بل هو ظاهر لهم في الدنيا بالفطرة بقوله : ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ﴾ يا محمد ﴿مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ بقدرته والله ﴿لَيَقُولُنَ﴾ في جوابك ﴿اللهُ﴾ وحده خلقهما ، لغاية وضوح الأمر بحيث اضطرّوا إلى الإقرار به ﴿قُلِ﴾ إذن ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ على ظهور صدقك ، أو على جعله دلائل