﴿يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ
أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦)﴾
ثمّ أنّ لقمان بعد نهي ولده عن الشّرك هدّده على الشّرك الخفي والمعاصي السّرية بعلم الله تعالى بخفيات الامور بقوله : ﴿يا بُنَيَ﴾ اخبرك بالقصة العجيبة ﴿إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ﴾ ومقدارها في الصّغر والقلّة ﴿فَتَكُنْ﴾ مع كونها في نهاية الصّغر ﴿فِي﴾ وسط ﴿صَخْرَةٍ﴾ وحجر صلب ، أيّ صخرة كانت صغيرة أو كبيرة. قيل : هي كناية عن أخفى مكان وأحرزه (١) . وعن ابن عباس : هي الصخرة التي عليها الملك الحامل للأرض ، وهي ليست في السماوات والأرض (٢) .
﴿أَوْ﴾ كانت ﴿فِي السَّماواتِ﴾ مع غاية بعدها ، وقيل : إنّ المراد منها العالم العلويّ ﴿أَوْ فِي الْأَرْضِ﴾ والعالم السّفليّ (٣) . وقيل : إنّ المراد بطن الأرض ، وهو أظلم مكان ﴿يَأْتِ بِهَا اللهُ﴾ ويحضرها ويحاسب عليها (٤) ، ويحضرها للاغتذاء بها. وقيل : إنّ كلامه ذلك لتربية التوكّل في قلب ابنه ، لئلّا يميل إلى الشّرك بطمع الرّزق (٥) .
القمي ، قال : إنّ الرزق يأتيك به الله (٦) .
﴿إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ﴾ وعالم بخفيات الامور ، أو نافذ القدرة في كلّ شيء ، أو ذو العطوفة بالعباد ﴿خَبِيرٌ﴾ ومطّلع على كنه الأشياء وقيل : يعني قدير على استخراج الحبّة من بطن الصخرة ، وخبير بمستقرّها (٧) .
العياشي ، عن الصادق عليهالسلام : « اتقوا المحقّرات من الذنوب ، فانّ لها طالبا ، لا يقولنّ أحدكم : اذنب واستغفر الله ، إنّ الله يقول : ﴿إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ﴾ » الآية (٨) .
قيل : إنّ هذه الكلمة آخر كلمة تكلّم بها لقمان ، فانشقّت مرارته من هيبتها فمات (٩) .
﴿يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ
إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً
إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٨١.
(٢) تفسير روح البيان ٧ : ٨١.
(٣) تفسير أبي السعود ٧ : ٧٢ ، تفسير روح البيان ٧ : ٨١.
(٤) تفسير روح البيان ٧ : ٨١.
(٥) تفسير جوامع الجامع : ٣٦٢.
(٦) تفسير القمي ٢ : ١٦٥ ، تفسير الصافي ٤ : ١٤٥.
(٧) مجمع البيان ٨ : ٤٩٩.
(٨) مجمع البيان ٨ : ٤٩٩ ، تفسير الصافي ٤ : ١٤٥.
(٩) تفسير روح البيان ٧ : ٨٢.