نهاره قطّ ، ولم يره أحد على بول ولا غائط ولا اغتسال ، لشدّة تستّره ، وعمق (١) نظره ، وتحفّظه في أمره ، ولم يضحك من شيء قطّ مخافة الإثم ، ولم يغضب قطّ ، ولم يمازح إنسانا قطّ ، ولم يفرح بشيء إذا أتاه من أمر الدنيا ، ولا حزن منها على شيء قطّ ، وقد نكح من النساء وولد له الأولاد الكثير ، وقدّم أكثرهم أفراطا (٢) فما بكى على موت أحد منهم ، ولم يمرّ برجلين يختصمان أو يقتتلان إلّا أصلح بينهما ، ولم يمض عنهما حتى تحابّا ، ولم يسمع قولا قطّ من أحد استحسنه إلّا سأل عن تفسيره وعمّن أخذه ، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء ، وكان يغشى القضاة والملوك والسلاطين ، فيرثي القضاة ممّا ابتلوا به ، ويرحم الملوك والسلاطين لعزّتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك ، ويعتبر ويتعلّم ما يغلب به نفسه ، ويجاهد به هواه ويحترز به من الشيطان ، وكان يداوي قلبه بالتفكّر ، ويداوي نفسه بالعبر ، ولا يضعن إلّا فيما يعينه ، فبذلك اوتي الحكمة ومنح العصمة » (٣) .
ثمّ ذكر قصّة تخييره بين الخلافة والحكمة قريبا ممّا حكيت عن العامة ، إلى أن قال : « فلمّا أمسى وأخذ مضجعه من الليل ، أنزل الله عليه الحكمة ، فغشيه بها من قرنه إلى قدمه » (٤) الخبر.
وقال الله له : ﴿أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ﴾ على ما أنعم عليك من الحكمة وغيرها من النّعم ﴿وَمَنْ يَشْكُرْ﴾ نعم الله ﴿فَإِنَّما يَشْكُرُ﴾ ونفع شكره عائد ﴿لِنَفْسِهِ﴾ لا يتعدّاه إلى غيره ، وهو داوم النعمة واستحقاق المزيد.
وعن الصادق عليهالسلام : « شكر كلّ نعمة وإن عظمت أن يحمد الله عليها (٥) ، وإن كان فيما أنعم عليه حقّ أدّاه » (٦) وفي رواية اخرى عنه عليهالسلام : « من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه ، فقد أدّى شكرها » (٧) .
﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ نعمة الله ، وخالف أحكامه وأوامره ، وأنكر توحيده وحقّ نعمه ﴿فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ﴾ عنه ، ولا يحتاج إلى شكره وعبادته ﴿حَمِيدٌ﴾ في ذاته وصفاته وأفعاله ، محمود في أرضه وسمائه ، سواء حمده خلقه أو شكره عباده ، أو لم يحمدوه وكفروه.
﴿وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ *
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ
اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ
__________________
(١) في النسخة : وعموق.
(٢) أي ماتوا صغارا قبل أن يبلغوا الحلم.
(٣) تفسير القمي ٢ : ١٦٢ ، مجمع البيان ٨ : ٤٩٧ ، تفسير الصافي ٤ : ١٤٢.
(٤) تفسير القمي ٢ : ١٦٣ ، تفسير الصافي ٤ : ١٤٣.
(٥) الكافي ٢ : ٧٨ / ١١ ، تفسير الصافي ٤ : ١٤١.
(٦) الكافي ٢ : ٧٨ / ١٢ ، تفسير الصافي ٤ : ١٤١.
(٧) الكافي ٢ : ٧٩ / ١٥ ، تفسير الصافي ٤ : ١٤١.