بين الناس فاحفظ لسانك ، واذكر اثنين ، وانس اثنين ، أمّا اللّذان تذكرهما فالله والموت ، وأما اللذان تنساهما إحسانك في حقّ الغير ، وإساءة الغير في حقّك (١) .
وقيل : إنه كان مع داود ثلاثين سنة ، وكان عنده يوما ، فرآه يسرد الدّرع (٢) ، فجعل لقمان يتعجّب ممّا يرى ، ويريد أن يسأله وتمنعه حكمته عن السؤال ، فلمّا أتمّها لبسها ، وقال : نعم لبوس الحرب هذه. فقال لقمان : إنّ من الحكمة الصّمت ، وقليل فاعله. فقال داود : بحقّ سمّيت حكيما (٣) .
وقيل : إنّ داود قال له يوما : كيف أصبحت ؟ فقال : أصبحت بيد غيري. فتفكّر داود فيه ، فصعق صعقة ، وخرّ مغشيّا عليه (٤) .
وقيل له : أيّ الناس شرّ ؟ قال : الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئا (٥) .
وقال : الدنيا بحر عميق ، هلك فيه خلق كثير ، فاجعل الايمان بالله سفينتك ، والتقوى زاد الآخرة ، فمن نجا فبرحمة الله ، ومن هلك فبذنوبه (٦) .
وقال : ليس مال كالصحّة ، ولا نعيم كطيب النفس.
وقيل : إنّه قدم من سفر ، فلقي غلامه في الطريق ، فقال : ما فعل أبي ؟ قال : مات. قال : الحمد لله ملكت أمري. قال : ما فعلت أمّي ؟ قال : ماتت. قال : ذهب همّي. قال : ما فعلت اختي ؟ قال : ماتت. قال : سترت عورتي. قال : ما فعلت زوجتي ؟ قال : ماتت. قال : جدّد فراشي. قال : ما فعل أخي ؟ قال : مات. قال : انقطع ظهري ، وكسر جناحي. قال : ما فعل ابني ؟ قال : مات. قال : تصدّع قلبي (٧) .
وقال يوما لداود : احفظ منّي خمس كلمات فيها علم الأولين والآخرين : أوّلها : ليكن عملك للدنيا بقدر لبثك فيها ، وثانيها : ليكن عملك للآخرة بقدر لبثك فيها. ثالثها : ليكن همّك أن يعتقك مولاك من النار. رابعها : ليكن جزاؤك على المعصية بقدر صبرك على النار. خامسها : إذا أردت العصيان فاطلب مكانا لا يراك فيه ربّك.
عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن لقمان وحكمته التي ذكرها الله عزوجل [ فقال ] : « أما والله ما اوتي لقمان الحكمة بحسب ، ولا مال ، ولا أهل ، ولا بسط في الجسم ، ولا جمال ، ولكنّه كان رجلا قويا في أمر الله ، متورّعا في الله ، ساكنا سكينا ، عميق النّظر ، طويل الفكر ، حديد النظر ، مستعبرا بالعبر (٨) ، لم ينم
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٧٣.
(٢) سرد الدرع : نسجها فشكّ طرفي كلّ حلقتين وسمّرهما.
(٣) تفسير روح البيان ٧ : ٧٦.
(٤) تفسير روح البيان ٧ : ٧٦.
(٥) مجمع البيان ٨ : ٤٩٦.
(٦) من لا يحضره الفقيه ٢ : ١٨٥ / ٨٣٣ ، مجمع البيان ٨ : ٤٩٦.
(٧) تفسير روح البيان ٧ : ٧٧. (٨) في النسخة : مستغن بالغير.