من كلّ مكان ، إن أصاب فبالحريّ أن ينجو ، وإن أخطأ طريق الجنة ، ومن يكن في الدنيا ذليلا خير من أن يكون شريفا - وفي رواية : ومن يكن في الدنيا ذليلا ، وفي الآخرة شريفا ، خير من أن يكون في الدنيا شريفا ، وفي الآخرة ذليلا - ومن يختر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا ولا يصيب الآخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه ، فنام نومة فأعطي الحكمة ، فانتبه وهو يتكلّم بها (١) .
وقيل : ثمّ نودي داود فقبلها ، وقال له داود : طوبى لك يا لقمان اعطيت الحكمة ، وصرفت عنك البلوى. وكان لقمان يؤازره بحكمته (٢) .
وقيل : إنّه ولد في السنة العاشرة من سلطنة داود ، وعاش إلى زمان يونس النبي (٣) .
وقيل : عمّر ألف سنة ، وتعلّم من ألف نبيّ ، وكان راعيا أو نجّارا (٤) . ونقل عنه عشرة آلاف كلمة حكمة ، كلّ كلمة تسوّى بجميع العالم (٥) .
قيل : إنّ أول ما ظهرت من حكمته أنّه قال له مولاه وهو يرعى أغنامه : يا لقمان ، اذبح شاة ، وآتني منها بأطيب مضغتين. فأتاه باللسان والقلب ، ثمّ قال له : اذبح شاة ، وآتني بأخبث مضغتين منها. فأتاه باللسان والقلب ، فسأله عن ذلك ، فقال لقمان : ليس شيء أطيب منهما إن طابا ولا أخبث منهما إن خبثا ، فاستحسن كلامه فاعتقه (٦) .
وروي من حكمته الطيبة أنّه بينا هو مع مولاه ، إذ دخل المخرج (٧) ، فأطال الجلوس ، فناداه لقمان : إنّ الجلوس على الحاجة يتجزّع منه الكبد ، ويورث الناسور ، ويصعّد الحرارة إلى الرأس ، فاجلس هوينا وقم هوينا. فخرج وكتب حكمته على باب الحشّ (٨) .
وقيل : بينا هو يعظ الناس يوما وهم مجتمعون عليه لاستماع كلمة الحكمة ، إذ مرّ به عظيم من عظماء بني إسرائيل ، فقال : ما هذه الجماعة ؟ قيل له : هذه جماعة اجتمعت على لقمان الحكيم. فأقبل إليه فقال له : ألست العبد الأسود الذي كنت ترعى بموضع كذا وكذا ؟ قال : نعم. فقال : فما الذي بلغ بك ما أرى ؟ قال : صدق الحديث ، وأداء الأمانة وترك ما لا يعني (٩) .
وحكي أنّه قال : خدمت أربعة آلاف نبي ، واخترت من كلماتهم ثماني كلمات : إن كنت في الصلاة فاحفظ قلبك. وإن كنت في الطعام فاحفظ حلقك ، وإن كنت في بيت الغير فاحفظ عينيك ، وإن كنت
__________________
(١) مجمع البيان ٨ : ٤٩٤ ، تفسير الصافي ٤ : ١٤١ ، تفسير روح البيان ٧ : ٧٥.
(٢) مجمع البيان ٨ : ٤٩٤ ، تفسير الصافي ٤ : ١٤٢ ، تفسير روح البيان ٧ : ٧٥.
(٣) مروج الذهب ١ : ٧٠.
(٤) تفسير الكشاف ٣ : ٤٩٣.
(٥) لم نعثر عليه.
(٦) تفسير روح البيان ٧ : ٧٦.
(٧) المخرج : الحشّ أو الكنيف ، وهو موضع قضاء الحاجة.
(٨) تفسير روح البيان ٧ : ٧٦.
(٩) تفسير روح البيان ٧ : ٧٦.