بالعزّة والغلبة على جميع الموجودات والحكمة البالغة ، استدلّ على كمال قدرته على الوفاء بالوعد وعلى غلبته وحكمته بقوله : ﴿خَلَقَ﴾ الله ﴿السَّماواتِ﴾ السبع معلّقات في الجوّ ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ﴾ واسطوانات تمنعها من السقوط كما ﴿تَرَوْنَها﴾ كذلك ، أو المراد بغير عمد مرئية ، وإن كان لها عمد غير مرئية ، وهي قدرة الله تعالى.
عن الرضا عليهالسلام : « ثمّ عمد ، ولكن لا ترونها » (١) .
﴿وَأَلْقى﴾ وطرح سبحانه ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ كما تلقى الحصاة من اليد فيها جبالا ﴿رَواسِيَ﴾ وثابتات تثبت وتستقرّ بها الأرض كراهة ﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ من جانب إلى جانب وتحرّككم بحركتها.
عن الضحاك : أنّ الله خلق تسعة عشر جبلا في الأرض ليثبّتها بها كالمسمار ، منها جبل قاف ، وجبل أبي قبيس ، وجبل جودي ، وجبل لبنان ، وجبل سينين ، وطور سيناء ، وجبل فاران. وقيل : إنّ الجبال عظام الأرض وعروقها (٢) .
﴿وَبَثَ﴾ ونشر ﴿فِيها﴾ بقدرته ﴿مِنْ كُلِ﴾ نوع من الأنواع و﴿دابَّةٍ﴾ وحيوان مع كثرتها واختلاف أجناسها وأصنافها ﴿وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ﴾ وجهة العلوّ ﴿ماءً﴾ نافعا بالأمطار ﴿فَأَنْبَتْنا فِيها﴾ بسبب الأمطار ﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ﴾ وصنف ﴿كَرِيمٍ﴾ وكثير النفع للإنسان والدوابّ إبقاء لهما ، فمن نظر إلى النباتات والأشجار ، وتفكّر في عجائب صنعه فيها وغرائب قدرته ، حار عقله ، وكلّ فكره ، كيف لا وأنت ترى اختلاف أشكالها ، وتباين ألوانها ، وكثرة خواصّها ، وصور أوراقها ، وروائح أزهارها ، وعجائب أنواع أثمارها وحبوبها ، فانّ لكلّ من النباتات ورق ولون وريح وزهر وثمر وحبّ وخاصية لا تشبه الاخرى ، ولا يعلم الحكم في خلقها إلّا الله ، وما يعرفه الانسان بالنسبة إلى ما لا يعرفه كقطرة من البحر.
﴿هذا﴾ الذي ذكر من السماوات والأرض والجبال والحيوان والماء والنبات ﴿خَلْقُ اللهِ﴾ القادر الحكيم ﴿فَأَرُونِي﴾ أيّها المشركون ﴿ما ذا خَلَقَ﴾ الآلهة ﴿الَّذِينَ﴾ تعبدونها ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ وممّا سواه ، وتدّعون أنّهم شركاؤه في استحقاق العبادة ، والله لم يخلقوا شيئا ، ولا يملكون نفعا ولا ضرّا ﴿بَلِ﴾ المشركون ﴿الظَّالِمُونَ﴾ على أنفسهم باتخاذهم آلهة ، وإشراكهم له في العبادة ﴿فِي ضَلالٍ﴾ وانحراف ﴿مُبِينٍ﴾ ظاهر عن الصراط المستقيم بحيث لا يخفى على من كان له أدنى مرتبة من الشعور وأقلّ درجة من البصيرة ، فأعرض سبحانه عن المشركين وكفّار قريش وغيرهم ، وأضرب عن إلزامهم إلى التسجيل عليهم بالبعد عن الحقّ بعدا واضحا لا يخفى على ناظر.
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٣٢٨ ، تفسير الصافي ٤ : ١٤٠.
(٢) تفسير روح البيان ٧ : ٧١.