تطمع يا محمد في قبولهم دعوتك وإيمانهم بك ﴿فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ﴾ دعوتك ومواعظك ﴿الْمَوْتى﴾ لعدم قابليتهم للاستماع ، وهم كالصّم الذين لا يسمعون ﴿وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ﴾ والنداء خصوصا ﴿إِذا وَلَّوْا﴾ وأعرضوا عنك حال كونهم ﴿مُدْبِرِينَ﴾ وجاعلين ظهورهم نحوك ، فانّهم إذن لا يرون إشاراتك وحركات شفتيك حتى يفهموا بفراستهم أنّك تكلّمهم وتخاطبهم وهم لفقدهم البصيرة كالعمي ﴿وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ﴾ ومدلّهم إلى الطريق بلسانك ، وصارفهم ﴿عَنْ ضَلالَتِهِمْ﴾ وسلوكهم في غير الطريق ﴿إِنْ تُسْمِعُ﴾ دعوتك ﴿إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ﴾ ويصدّق ﴿بِآياتِنا﴾ القرآنية ، ويتدبّر فيها ، ويتلقّاها بالقبول.
ويجوز أن يكون المراد بالمؤمن المشارف للايمان والمقبل على الآيات بقلبه ﴿فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ومنقادين لإجابة دعوتك وإطاعة أوامرك.
﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ
ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ * وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ
الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ
وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ
يُسْتَعْتَبُونَ (٥٤) و (٥٧)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في الاستدلال على توحيده وقدرته بقوله : ﴿اللهُ﴾ تعالى هو القادر ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ﴾ مبدأ ضعيف يصحّ أن يقال من غاية ضعفه أنّه عين ﴿ضَعْفٍ﴾ كالتّراب والنطفة ، ثمّ ربّاكم في الأرحام ﴿ثُمَّ جَعَلَ﴾ لكم ﴿مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ﴾ كان فيكم وأنتم أجنّة ﴿قُوَّةً﴾ على الحركة ، وأمتصاص الضّرع وشرب اللّبن منه ، ودفع الأذى عنكم بالبكاء ، ثمّ ربّاكم حتى بلغتم سنّ الشباب وأكمل قواكم ﴿ثُمَّ جَعَلَ﴾ لكم ﴿مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ﴾ كانت لكم في الشباب ﴿ضَعْفاً﴾ آخر حين الشيخوخة والكبر ﴿وَشَيْبَةً﴾ وهرما ومن المعلوم أنّ هذه الأطوار والأحوال للخلق لا تكون بالطبيعة بل الله ﴿يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ من الضّعف والقوّة والشباب والشيب والهرم ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ﴾ بأحوال خلقه ﴿الْقَدِيرُ﴾ على نقله من حال إلى حال.
ثمّ إنّه بعد ذكر أحوال خلقه في الدنيا وأطوارهم ، ذكر بعض أحوال الكفّار في الآخرة بقوله : ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾ وتجيء وقت جزاء الأعمال ، يسأل الكفّار عن مدّة لبثهم في الدنيا ، فحينئذ ﴿يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾