وخدّشني ، لأنّ الماء خرج بغير وزن ولا كيل غضبا لله تعالى فخدّش الأرض وخدّدها ، فقال الله تعالى : إنّي سأجعل للماء غربالا لا يخدّدك ولا يخدّشك ، فجعل السّحاب غربال المطر (١) .
﴿فَإِذا أَصابَ﴾ الله ﴿بِهِ﴾ وأنزله على أراضي ومزارع ﴿مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ﴾ أو بلادهم ﴿إِذا هُمْ﴾ بمجيء الخصب والأمن من القحط ﴿يَسْتَبْشِرُونَ﴾ ويفرحون ﴿وَإِنْ﴾ الشأن أن الذين أصابهم المطر ﴿كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ﴾ المطر ﴿عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ﴾ وإنّما كرّر كلمة ﴿مِنْ قَبْلِ﴾ تأكيدا ودلالة على تطاول عهدهم به ﴿لَمُبْلِسِينَ﴾ وآيسين من نزوله.
وقيل : إنّ ضمير ( من قبله ) راجع إلى إرسال الرياح (٢) ، لأنّ الخبير بعد الريح وبسط السّحاب يعرف أن فيه المطر.
﴿فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ
الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ
بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ * فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا
مُدْبِرِينَ * وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا
فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٠ و) (٥٣)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد إثبات التوحيد بالتفصيل المذكور ، أمر الناس بالاعتبار بآثار المطر وإحياء الأرض بقوله : ﴿فَانْظُرْ﴾ أيّها الناظر بنظر الاعتبار ﴿إِلى آثارِ﴾ المطر الذي هو من ﴿رَحْمَةِ اللهِ﴾ من النبات والأزهار والأشجار والثّمار ، وتفكّر في أنّه تعالى ﴿كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ﴾ بتلك الآثار ﴿بَعْدَ مَوْتِها﴾ ويبسها وعدم ظهور فائدة فيها ، وتنبّه على عظم شأنه وكمال قدرته واعلم ﴿إِنَّ ذلِكَ﴾ الربّ العظيم المحيي للأرض الميتة ﴿لَمُحْيِ الْمَوْتى﴾ البتة بعد صيرورتهم ترابا في الآخرة للحساب وجزاء الأعمال ﴿وَهُوَ﴾ تعالى ﴿عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من إحياء الموتى وغيره ممّا يمكن أن يوجد ﴿قَدِيرٌ﴾ لا يتصوّر فيه العجز ، فانّ نسبة قدرته إلى جميع الممكنات سواء.
ثمّ ذمّ سبحانه الكفّار بقوله : ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً﴾ مضرّة حارة أو باردة ، فافسدت زرع الكفار ﴿فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا﴾ من أثر الريح بعد كونه مخضرّا ، فيأسوا من نفعه ﴿لَظَلُّوا﴾ وصاروا ﴿مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾ جميع نعم الله عليهم ، ولم يلتجئوا إليه بالاستغفار ، بخلاف المؤمن الشاكر الصابر ، فانّه يحمد الله على كلّ حال ، ولا يحزنون على ما فاتهم من المنافع ، ولا يفرحون بما آتاهم الله ، وإنّما يكون فرحهم بطاعة الله ، وحزنهم على معصيته ، فاولئك الكفّار كالموتى لسلب المشاعر عنهم ، فلا
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٥١.
(٢) تفسير الرازي ٢٥ : ١٣٣.