﴿عَلَيْنا﴾ بمقتضى حكمتنا ورحمتنا ﴿نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ في الدنيا بحفظ إيمانهم ، ودفع شرّ أعدائهم ، وإنجاءهم ممّا أصاب الكافرين ، وفي الآخرة بإنجائهم من أهوال يوم القيامة ، وخلاصهم من النار ، وإدخالهم الجنة ، وإنعامهم بالنّعم الدائمة والراحة الأبدية ، وفيه إشعار بأنّ الانتقام لهم وإظهار لكرامتهم ، حيث جعلهم مستحقّين على الله أن ينصرهم.
عن النبي صلىاللهعليهوآله : « ما من أمرئ مسلم يردّ عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يردّ عنه نار جهنم يوم القيامة (١) . ثمّ قرأ ﴿كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾».
وعن الصادق عليهالسلام قال : « حسب المؤمن نصرة أن يرى عدّوه يعمل بمعاصي الله » (٢) .
وفي الآية تبشير للنبيّ صلىاللهعليهوآله بالظّفر في العاقبة على أعدائه ، والنصر على من كذّبه ، وتسلية لقلبه الشريف حيث لم يؤمنوا به فقال : حالك كحال من تقدّمك من الأنبياء العظام ، فانّهم مع معجزاتهم الباهرات كذّبوا وصبروا حتى نصرهم الله على تكذيبهم.
﴿اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ
كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ
يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٨) و (٤٩)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان إرساله الرسل في السابقين ، وتسلية نبيه بذكر حالهم وظفرهم على أعدائهم ، عاد إلى الاستدلال على توحيده الذي هو أهمّ المقاصد بذكر كيفية بشارة الرياح بالمطر بقوله : ﴿اللهُ﴾ هو القادر بالذات ﴿الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ﴾ المبشّرات برحمته من الشّمال والجنوب والصّبا ﴿فَتُثِيرُ﴾ وتنتشر بهبوبها ﴿سَحاباً﴾ واحدا أو أكثر بارادة الله وأمره ﴿فَيَبْسُطُهُ﴾ ويجعل بعضه متّصلا ببعض تارة ، كي يصير قطعة واحدة ﴿فِي﴾ سمت ﴿السَّماءِ﴾ وجهة العلوّ ﴿كَيْفَ يَشاءُ﴾ الله تعالى سائرا وواقفا ، مطبقا مسيرة يوم أو يومين أو أقلّ أو أكثر ، أو غير مطبق من جانب دون جانب ﴿وَيَجْعَلُهُ﴾ تارة اخرى ﴿كِسَفاً﴾ وقطعا كلّ قطعة في طرف ، أو يجعل بعضه فوق بعض ، كما عن القمي (٣)﴿فَتَرَى﴾ يا محمدّ ، أو أيّها الرائي ﴿الْوَدْقَ﴾ والمطر ﴿يَخْرُجُ﴾ بأمر الله ﴿مِنْ خِلالِهِ﴾ وفرجه وشقوقه في التارتين واپلا أو هطلا أو رذاذا.
عن وهب : أنّ الأرض شكت إلى الله عزوجل أيام الطّوفان ، فقالت : يا ربّ ، إن الماء خدّدني
__________________
(١) مجمع البيان ٨ : ٤٨٤ ، تفسير الصافي ٤ : ١٣٦ ، تفسير روح البيان ٧ : ٥٠.
(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٨٤ / ٨٤٧ و: ٢٩٣ / ٨٨٤ ، تفسير الصافي ٤ : ١٣٦.
(٣) تفسير القمي ٢ : ١٦٠ ، تفسير الصافي ٤ : ١٣٦.