المزكّون ﴿هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ وذوو الأضعاف من الثواب في الأجل والمال في العاجل.
ثمّ أكّد ما أدّعاه سبحانه من التوحيد ونفي الشريك له بقوله : ﴿اللهُ﴾ هو القادر ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ في الدنيا ولم تكونوا شيئا مذكورا ﴿ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾ بجوده ما تعيشون به وتبقون إلى منتهى آجالكم ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ بقدرته ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ في الآخرة ليجازيكم على أعمالكم إن خيرا فخير ، وإن شرا فشرّ ، فهذه الأعمال من شؤون الالوهية فانظروا ﴿هَلْ﴾ أحد ﴿مِنْ شُرَكائِكُمْ﴾ وآلهتكم ﴿مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ﴾ الخلق والرزق والإماتة والإحياء ﴿مِنْ شَيْءٍ ؟﴾ لا يفعلون شيئا منها أبدا إذن ﴿سُبْحانَهُ﴾ وننزّهه تنزيها بليغا ﴿وَتَعالى﴾ تعاليا كبيرا ( عن ) شرك ما ﴿يُشْرِكُونَ﴾ به أو عن إشراكهم.
﴿ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي
عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ * فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ
يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤١) و (٤٣)﴾
ثمّ نبّه سبحانه على ضرر شرك بني آدم على كافة الموجودات بقوله : ﴿ظَهَرَ الْفَسادُ﴾ من القحط والغلاء ، والطاعون والوباء ، وموت الفجاءة ، وكساد التجارات ، والرفع في الزراعات ، والقتل والغارات ، والزلازل والحريق والفتن ﴿فِي الْبَرِّ﴾ من البلدان والقرى والجبال والأودية ﴿وَ﴾ في ﴿الْبَحْرِ﴾ من الأمواج والغرق وكسر السفن وموت الدوابّ وغيرها.
قيل : البحر يطلق على البلدان (١) . وقيل : هو البلاد التي في السواحل (٢) .
﴿بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ من الشّرك والظّلم والعصيان ، وإنّما كان ذلك ﴿لِيُذِيقَهُمْ﴾ ونطعمهم ﴿بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ من المعاصي وقليلا ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ عن الشرك إلى التوحيد ، ويتوبون من سيئاتهم.
في الأخبار أنّ ظهور الفواحش سبب لفشّو الطاعون والأوجاع ، ونقص المكيال والميزان سبب للقحط وشدّة المؤنة ، وجور السلطان ومنع الزكاة سبب لانقطاع المطر ، ونقض عهد الله ورسوله سبب لتسلّط العدو ، وجور الحكام في الحكم سبب لوقوع القتال ، وأكل الربا سبب للزّلزلة (٣).
ثمّ هدّدهم سبحانه بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد للمشركين ﴿سِيرُوا﴾ وسافروا ﴿فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ١٢٧.
(٢) مجمع البيان ٨ : ٤٨٠ ، تفسير أبي السعود ٧ : ٦٢.
(٣) تفسير روح البيان ٧ : ٤٦.