ثمّ حثّهم في ذلك بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ الايتاء والعطاء من المال ﴿خَيْرٌ﴾ في نفسه ، أو من الامساك ، ولكن لا لكلّ الناس ، وإن كانوا مشركين أو مرائين ، بل ﴿لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ﴾ بإعطائهم ﴿وَجْهَ اللهِ﴾ ويطلبون به رضاه والقرب إليه ، فانّ ذلك المال يبقى ويدوم نفعه إلى الأبد ﴿وَأُولئِكَ﴾ المنفقون لوجه الله ﴿هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ والفائزون.
﴿وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ
تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ * اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ
يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ
وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣٩) و (٤٠)﴾
ثمّ لمّا ذكر سبحانه فائدة إنفاق المال لوجه الله ، ذكر عدم الفائدة الاخروية في بذله للاغراض الدنيوية بقوله : ﴿وَما آتَيْتُمْ﴾ وأعطيتم شيئا ﴿مِنْ رِباً﴾ وزيادة من هدية وهبة ، لا لوجه الله ، بل ﴿لِيَرْبُوَا﴾ ويزيد ﴿فِي أَمْوالِ النَّاسِ﴾ حتى يعطوكم أكثر وأفضل منه ، فهذا المال وإن صار سببا لزيادة أموالكم في الدنيا ، ولكن لما لم يكن بذله لوجه الله ﴿فَلا يَرْبُوا﴾ ولا يزيد ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ ولا يبارك له فيه ، ولا يثاب عليه.
عن الصادق عليهالسلام قال : «الربا رباءان : ربا يؤكل ، وربا لا يؤكل ، فأمّا الذي يؤكل فهديتك إلى الرجل تطلب منه الثواب أفضل منها ، فذلك الربا الذي يؤكل ، وهو قول الله عزوجل : ﴿وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ﴾وأمّا الذي لا يؤكل فهو الذي نهى الله عنه [وأوعد عليه النار]» (١).
وعن الباقر عليهالسلام : « هو أن يعطي الرجل العطية ، أو يهدي الهدية ليثاب أكثر منها ، فليس فيه أجر ولا وزر » (٢) .
وقيل : إنّ المراد به إعطاء الزيادة في المعاملة أو القرض (٣) . ﴿وَما آتَيْتُمْ﴾ شيئا ﴿مِنْ زَكاةٍ﴾ مشروعة في الأموال الزكوية أو صدقة ﴿تُرِيدُونَ﴾ به ﴿وَجْهَ اللهِ﴾ وتطلبون رضاه والتقرّب إليه ، فانّه يزيد عند الله.
عن الصادق عليهالسلام قال : « مكتوب على باب الجنة : القرض بثمانية عشر ، والصدقة بعشر»(٤).
ثمّ لتعميم الحكم لجميع الامّة إلى يوم القيامة ، التفت من الخطاب إلى الغيبة بقوله : ﴿فَأُولئِكَ﴾
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٤٥ / ٦ ، التهذيب ٧ : ١٧ / ٧٣ ، تفسير الصافي ٤ : ١٣٤.
(٢) مجمع البيان ٨ : ٤٧٩ ، تفسير الصافي ٤ : ١٣٤.
(٣) تفسير الصافي ٤ : ١٣٤ ، تفسير روح البيان ٧ : ٤١.
(٤) تفسير القمي ٢ : ١٥٩ ، تفسير الصافي ٤ : ١٣٤.