في ثمانية آلاف ... فقاتلناهم قتالاً لم يرَ الشيب والمرد مثله قط في يومنا كلِّه لا يحجز بيننا وبين القتال إلاّ الصلاة ، حتّى أمسينا فتحاجزنا .. فكان رفاعة يقصُّ ويحضض الناس في ميمنته لا يبرحها .. فاقتتلنا اليوم الثالث يوم الجمعة قتالاً شديداً إلى ارتفاع الضحى ، ثمّ إنّ أهل الشام كاثرونا وتعطَّفوا علينا من كلّ جانب»(١).
واستشهد القادة الواحد تلو الآخر ، وسقطت راية الفرسان ، وليس هناك من يرفعها ، قال حميد بن مسلم : فنادينا عبد الله بن وأل الذي آلت إليه القيادة ، وكان في اشتباك مع فرسان من جيش الشام ، فحمل رفاعة بن شدّاد فاستنقذه منهم ، وفي هذه الأثناء حمل الراية حين سقطت عبد الله بن خازم الكندي ، وبعد فكّ الاشتباك أخذها ابن وأل من بعد ، وقال : «من أراد الحياة التي ليس من بعدها موت ، والراحة التي ليس من بعدها نصب ، والسرور الذي ليس بعده حزن ، فليتقرّب إلى ربّه بجهاد هؤلاء المحلّين ، والرواح إلى الجنَّة رحمكم الله»(٢). وروى أبو مخنف بسنده عمّن شارك بالمعركة أنّ عبد الله بن وأل شدَّ على القوم عصر ذلك اليوم فأصبنا رجالاً منهم وكشفناهم ، ثمّ إنّهم تعطّفوا علينا من كلّ جانب فحازونا إلى المكان الذي كنّا فيه ، ولا يستطيعون أن يأتونا إلاّ من مكان واحد ، واستمرّ القتال إلى الليل ، وشدّ أدهم بن محرز الباهلي بخيله فقتل عبد الله بن وأل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) تاريخ الطبري ٤/٤٦٤.
(٢) المصدر السابق.