الشرعية ، والاطّلاع على العلوم الاجتماعية والنفسية ، ومناقشة الرواة والعلماء ورجال الجرح والتعديل في بعض رواياتهم وآرائهم وأحكامهم ، حتّى يتبيّن الصالح منها والصحيح ، دع ما أوتيه إمامنا من بلاغة العبارة ، ودقّة الذوق البياني الذي ينفذ إلى أسرار الإعجاز ، فيجلّيها في أحسن معرض. وتراه لقوّة حجّته ، ومتانة أدلّته ، ومبالغته في التحقيق والتمحيص لا يدع لأحد مهما رسخت قدمه في العلم أن يتصفّح عليه ، أو ينقض ممّا قاله كلمة ، أو رأياً.
لقد كنّا نرجو أن ينهض علماء عصرنا إلى كتاب الله العزيز ، فيدرسوه ويتدبّروا آياته ، لكي يثبتوا لأهل هذا العصر أنّ كتابهم صالح لكلّ زمان ومكان ، هاد لكلّ رقيّ وعمران ، على أن يكون عملهم هذا بعيداً عن (مباحث الإعراب وقواعد النحو ، ونكات المعاني ومصطلحات البيان ، وجدل المتكلّمين ، وتخريجات الأصوليّين ، واستنباطات الفقهاء المقلّدين ، وتأويلات المتصوّفين ، وتعصّب الفرق والمذاهب ، وكثرة الروايات ، مجانباً ما سرى إلى أكثر التفاسير من زنادقة اليهود والفرس ، ومسلمة أهل الكتاب).
كما نرجو منهم ذلك ؛ ولكنّنا رأيناهم قد أخلدوا إلى مهاد الدعة ، واكتفوا بأن يقلّدوا في دينهم مَن سبقهم من شيوخهم ، أمّا هذا الكتاب الذي جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم ليكون هدىً للناس ورحمةً ، فلا بأس من أن يحبس للتبرّك به ، وأن يتلى في الطرق وعلى الموتى وفي الراديو ، ثمّ لا ضير من أن نعيش مع الناس بأجسامنا في هذا العصر ، وندع عقولنا تحيا مع أهل القرون المظلمة.