يصلوا في كثير ممّا فسّروا إلى حقيقة دين الله ؛ ولكنّهم يشحنون تفاسيرهم بقبائل مختلفة من آراء من سبقهم من غير أن يمحّصوا هذه الآراء ليعرفوا صحيحها من باطلها ، أو يحملوا أنفسهم على نصب البحث ليزنوا مقدار من قالها ، وظلّ كتاب الله ـ كما قال حكيم الإسلام السيّد جمال الدين ـ بكراً لم يُفسَّر.
أمّا تفسير المنار الذي أخرجه في هذا العصر حجّة الإسلام الإمام الثقة الحافظ السيّد محمّد رشيد رضا ليكون هداية المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فإنّه يمتاز عن كلّ التفاسير التي سبقته بمزايا جليلة لو ذهبنا لنستقصيها لطال بنا سبيل القول ، ولاحتاج ذلك إلى مقالات مستفاضة ، ذلك بأنّ هذه المزايا متعدّدة المناحي ، كثيرة النواحي ، وبحسبنا اليوم أن نقول في صراحة وإخلاص بغير أن يتوهّم أحد أن نجنح إلى المغالاة : إنّ هذا التفسير خير ما وضع لبيان مقاصد كتاب الله ، وشرح أحكام دينه في عقائده وعباداته وفضائله وآدابه وحلاله وحرامه كما أراد الله أن تكون ، لا كما أراد الناس بآرائهم وأهوائهم ، وإنّه فيض إلهيّ أفاضه الله على قلب وارث النبوّة السيّد محمّد رشيد ، فخرَّج آيات تكشف عن نور القرآن الكريم ؛ ليبدو في هذا العصر كما بدا في زمن البعثة النبويّة والصدر الأوّل زاهراً باهراً.
وممّا راعني في هذا التفسير ما آنسته متجلّياً في كلّ مسألة من العلم الغَزِيرِ بالمعقول والمنقول ، والإحاطة الشاملة بالسنّة المحمّدية ، والتمييز بين صحيحها وضعيفها ، وما ثبت منها وما لم يثبت ، وسعة الإدراك للعلوم