أصحابه ـ وهم الرعيل الأوّل من حملة الحديث ـ نَهوا عن كتابة حديثه واختلقوا أحاديث بأنّ النبيّ نهى أن تصبح كتابة حديثه عامّةً(١) ، وقد بذلوا في هذا السبيل أقصى جهدهم وغاية سعيهم وإن لم يكن لأصحابه إجماع على هذا الأمر(٢) ، ولمّا رأى بعض الصحابة أنّهم لا يستطيعون أن يرووا ما سمعوه من النبي على حقيقة لفظه ـ وقد دعت الضرورة الدينية أن يفضوا بما سمعوا ـ فقد جوّزوا أن يرووا ما سمعوه من النبيّ بالمعنى ، فزادوا ونقصوا في عبارته وقدّموا في كلماته وأخّروا وأبدلوا ألفاظاً بألفاظ(٣) فتغيّر كلام النبيّ عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) «دخل زيد بن ثابت ـ وكان عثمانيّاً ومنحرفاً عن أمير الؤمنين ـ على معاوية فسأله عن حديث ، وأمر إنساناً أن يكتبه فقال له زيد : إنّ رسول الله أمَرَنا ألاّ نكتب شيئاً من حديثه ، فمحاه» ، جامع بيان العلم وفضله ١ / ٦٣ ، وقال عمر : «لا أشوب كتاب الله بشيء أبداً» ، نفس المصدر ١ / ٦٤.
(٢) قال شوقي ضيف : «عناية الشيعة بكتابة الفقه كانت قوية ، لاعتقادهم في أئمّتهم أنّهم الهادون المهديّون الذين ينبغي أن يلتزموا بفتاويهم ومن ثمّ عنوا بفتاوى عليّ وأقضيته». (تاريخ الأدب العربي ج١ ص ٤٥٣) ؛ إنّ ما قاله شوقي كان موجزاً ممّا ذكره السيوطي من أمر تدوين الحديث عند الشيعة منذ صدوره في زمن الرسول وذلك أنّ أئمّتهم ـ هؤلاء الهادون المهديّون ـ لم ينهوا عن كتابة الحديث أبداً ، لكن الدكتور شوقي ضيف ذكر ذلك بتحفّظ منه حتّى لا يخطر ببال أحد أنّه يقصد من كلامه هذا ما لا يستسيغه الآخرون ؛ قال السيوطي : «اختلف السلف من الصحابة والتابعين في كتابة الحديث فكرهها طائفة منهم... وأباحها طائفة وفعلوها ، منهم : عمر [في حين أنّ أخبار نهيه عن رواية الحديث مستفيضة بل متواترة بين المسلمين] وعليٌّ وابنه الحسن... (تدريب الراوي ج٢ ص٦١).
(٣) ولذلك رأى أئمّة اللغة والنحو كالخليل وسيبويه والفرّاء أن لا يحتجّوا بشيء من الحديث في إثبات القواعد الكلّية في لسان العرب والاستدلال عليها ، لأنّ الأحاديث لم