أصله(١) واختلفت العبارات حتّى تغيّر المعنى بحيث لم يبق وجه شبه بين كلامه(صلى الله عليه وآله) وبين ما ذكروه ولا حتّى نوع مناسبة ، ومن أجل ذلك فقد تعدّدت رواية الكثير من الأحاديث ، ولمّا رأى أعداء الدين(٢) وأهل الهوى من المسلمين هذه الفوضى(٣) استغلّوا الظروف ووضعوا على النبيّ أحاديث لا تعدّ ولا تحصى لأسباب لا محلّ لذكرها هنا(٤) ، وخاصّة بعد موت الخليفة الثاني عمر ، لأنّه كان شديداً على الأصحاب في ذلك وكان يأمرهم بأن يقلّوا من الرواية عن النبيّ حتّى ضرب أبا هريرة على رواية الحديث وأنذره بالنفي إلى بلاده.
ولمّا استفاضت رواية الحديث وشاعت ـ حتّى بلغت مئات الآلاف ـ واشتبه الصحيح منه بالسقيم هنا نهض علماء أجلاّء ليمحّصوا هذه الروايات بالبحث في تاريخ من رووها حتّى يتبيّن لهم من اتّصف بالعدالة والضبط من رواة الحديث ممّن تعرّى منهم من هاتين الصفتين ، بعد أن كانوا ـ أحيانا ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تكن تروى بألفاظها كما جاءت عن الرسول ، إنّما كانت تروى غالباً بمعانيها ، فلذلك اعتمدوا في ذلك على القرآن وصحيح النقل عن العرب.
(١) ولو كان التدوين شائعاً في الصدر الأوّل ، وتيسّر لهم أن يدوّنوا كلّ ما سمعوه من النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بألفاظه وصوغه وبيانه ، لكان لهذه اللغة شأن غير شأنها (إعجاز القرآن ص٣٦٤).
(٢) كعبدالله بن سلام وكعب الأحبار.
(٣) كصاحب الزاملتين وصاحب الكيس والمزوّد من الصحابة المشهورين بالنقل عن الإسرائيليّات.
(٤) لو ذهبنا لنستقصيها لطال بنا سبيل القول ، ولاحتاج ذلك إلى مقالات مستفيضة ، منها ترحيب معاوية بوضع الحديث لأسباب معروفة عند القاصي والداني.