الدّهر هو الله».
وقد ذكر قوم في تأويل هذا الخبر أنّ المراد : لا تسبّوا الدهر ، فإنّه لا فعل له ، وإنّ الله يصرّفه ويدبّره.
وفي هذا الخبر وجه هو أحسن من هذا ، وهو أنّ الملحدين ، ومن نفى الصانع من العرب كانوا ينسبون ما ينزل بهم من أفعال الله كالمرض والعافية ، والجدب والخصب ، والبقاء والفناء إلى الدّهر ، جهلاً منهم بالصّانع جلّت عظمته ، ويذمّون الدهر ويسبّونه ، فنهاهم النبيّ صلّى الله عليه وآله عن ذلك وقال : لا تسبّوا من فعل بكم هذه الأفعال ممّن تعتقدون أنّه الدّهر ، فإنّ الله هو الفاعل لها. وإنّما قال : إنّ الله هو الدهر من حيث نسبوا إلى الدّهر أفعال الله تعالى ؛ وقد حكى الله عنهم قولهم : (ما هِيَ إلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إلاّ الدَّهْرُ)(١) ويقولون : هو أكثر ذنوباً من الدهر ، وقال عمرو بن قمئة(٢) :
رَمَتني بَناتُ الدَهرِ مِن حَيثُ لا أَرى |
|
فَكَيفَ بِمَن يُرمى وَلَيسَ بِرامِ |
فَلَو أَنَّها نَبلٌ إِذاً لاتَّقَيتُها |
|
وَلَكِنَّني أُرمى بِغَيرِ سِهامِ |
وَأَهلَكَني تَأميلُ يَوم وَلَيلَة |
|
وَتَأميلُ عام بَعدَ ذاكَ وَعامِ(٣). |
__________________
(١) الجائية : ٢٤.
(٢) عمرو بنِ قُمَيئَة بن ذريح بن سعد بن مالك الثعلبي البكري الوائلي النزاري. (ت ٨٥ هـ) ، ونسب الشعر أبـو زيـد القـرشي إلى لبيـد. (جمهـرة أشعـار العرب : ٩٣).
(٣) منتهى الطلب من أشعار العرب ، ١ : ١٤٩و ١٤٨.