قال ابن قتيبة : وجه الحديث خلاف ما قال ، ولم يرد إلاّ الفقر في الدّنيا ؛ ومعناه أنّ من أحبّنا فليصبر على التقلّل من الدنيا والتقنّع فيها ، وليأخذ نفسه بالكفّ عن أحوال الدنيا وأعراضها ؛ وشبّه الصبر على الفقر بالجلباب أو التّجفاف ؛ لأنّه يستر الفقر كما يستران البدن. ويشهد بصحّة هذا التأويل ما روي عنه عليه السلام أنّه رأى قوماً على بابه ، فقال : يا قنبر ، من هؤلاء؟ فقال له قنبر : شيعتك ، فقال : ما لي لا أرى فيهم سيماء الشيعة؟ قال : وما سيما الشّيعة؟ قال : خمص البطون من الطّوى ، يبس الشفاه من الظّما ، عمش العيون من البكاء(١).
قال السيّد : والوجهان جميعاً في الخبر حسنان ؛ وإن كان الوجه الّذي ذكره ابن قتيبة أحسن وأنصع.
ويمكن أن يكون في الخبر وجه ثالث تشهد بصحّته اللّغة ؛ وهو أنّ أحد وجوه معنى لفظة الفقر أن يُـحَزّ أنف البعير حتّى يصل إلى العظم ، ثمّ يلوى عليه حبل ، يذلّل بذلك الصّعب ، يقال : فقَره يفقُره فقراً إذا فعل ذلك به ، وبعير مفقور وبه فقرة ، وكلّ شيء حززته فقد فقّرته ؛ فيحتمل القول أن يكون أراد : من أحبّنا فليزمّ نفسه وليخطمها وليقدها إلى الطاعات ، ويصرفها
__________________
(١) قَوْمٌ تَبِعَ [تَبِعُوا] أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) : فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ قَالَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ قَالُوا شِيعَتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ مَا لِي لا أَرَى عَلَيْكُمْ سِيمَاءَ الشِّيعَةِ قَالُوا وَمَا سِيمَاءُ الشِّيعَةِ قَالَ صُفْرُ الْوُجُوهِ مِنَ السَّهَرِ خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ ذُبُلُ الشِّفَاهِ مِنَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعِينَ. (صفات الشيعة : ١١).