خطباء أمّتك ، تقرض شفاههم ؛ لأنّهم يقولون ما لا يفعلون»(١). قال : فالأجذم في الخبر إنّما هو المجذوم ؛ وإنّما جاز أن يسمّى المجذومُ أجذمَ ؛ لأنّ الجذام يقطّع أعضاءه ويشذّبها(٢) ؛ والجذم : القطع.
قال المرتضى رحمه الله : وقد أخطأ الرجلان جميعاً ، وذهبا عن الصواب ذهاباً بعيداً ، وغلط ابن قتيبة أقبح وأفحش ؛ لأنّه علّل غلطه ، فأخرجه إلى أغاليط كثيرة ؛ ونحن نبيّن معنى الخبر ونتكلّم على ما أورداه.
أمّا معنى الخبر فإنّما أراد بقوله : يُحشَرُ أجذمَ ؛ المبالغةَ في وصفه بالنقصان عن الكمال ، وفقد ما كان عليه بالقرآن من الزينة والجمال. والتشبيه له بالأجذم من أحسن التشبيه وأعجبه ؛ لأنّ اليد من الأعضاء الشريفة النافعة ؛ ففاقدها يفقد ما كان عليه من الكمال ، وتفوته المنافع والمرافق ؛ وهذه حال من نسي القرآن وضيّعه بعد حفظه ، لأنّه يفقد ما كان لابساً من الجمال ، ومستحقّاً له من الثواب ، وهذه عادةٌ للعرب في كلامهم معروفةٌ ؛ يقولون فيمن فقد ناصره ومعينه : فلان بعد فلان أجدع ، وقد بقي بعده أجذم ؛ قال الفرزدق يرثي :
__________________
(١) وَفِي الْمَجْمَعِ عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صْ) : مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى أُنَاس تُقْرَضَُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَار فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلاءِ يَا جَبْرَئِيلُ؟ فَقَالَ : هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، مِمَّنْ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمَ. (بحار الأنوار ، ٦٩ : ٢٢٣)
(٢) أي : يقطعها ، وأصله قطع أغصان الشجر وقشره.