يمتنع أن يكون الآية تناولت ما يجري في الآخرة ، ثمّ يتلوها آية يتناول ما جرى في الدنيا ؛ لأنّ مطابقة كلّ آية لما قبلها في هذا غير واجب ؛ فكأنّه قال : إنّا نحشرهم في الآخرة ونقول : أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ وما كان فتنتهم وسبب ضلالتهم في الدنيا إلاّ قولهم : (وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ).
وقد قيل في الآية ـ على تسليم أنّ هذا القول يقع منهم في الآخرة ـ : إنّ المراد : ما كنّا عند نفوسنا مشركين ؛ بل كنّا نعتقد أنّا على الحقّ ، وقوله : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) لم يرد في هذا الخبر الّذي وقع منهم في الآخرة ؛ بل إنّهم كذبوا على أنفسهم في دار الآخرة بإخبارهم أنّهم مصيبون غير مشركين.
وأمّا قوله : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ) وقوله : (فإنّهم لَكاذِبُونَ) فمن الناس من حمل الكلام كلّه على وجه التمنّي ، وصرف قولهم : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) إلى غير الأمر الّذي تمنّوه ؛ فيجوز على هذا أن يكون قوله تعالى : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) مصروفاً إلى حال الدنيا ، فكأنّه قال : وهم كاذبون فيما يخبرون به عن أنفسهم في الدنيا من الإصابة واعتقاد الحقّ ؛ أو يريد أنّهم كاذبون أن خبّروا عن أنفسهم بأنّهم متى ردّوا آمنوا ؛ وإن كان ما حكي عنهم من التمنّي ليس بخبر.
ويكون المعنى أنّهم كذبوا في آمالهم وتمنّيهم.