فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُون)(١).
فقال : كيف يخبر عنهم أنّهم لا يكذّبون نبيّه ، ومعلوم منهم إظهار الكذب ، وكيف نفى عنهم التكذيب ، ثمّ يقول : إنّهم بآيات الله يجحدون؟ وهل الجحد بآياته إلاّ تكذيب نبيه؟!
الجواب : قلنا : قد ذكر في الآية وجوه :
أوّلها : أن يكون إنّما نفى تكذيبهم بقلوبهم تديّناً واعتقاداً ، وإن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب.
وثانيها : أن يكون معنى (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) لا يفعلون بحجّة ، ولا يتمكّنون من إبطال ما جئت به ببرهان ؛ وإنّما يقصرون على الدعوى الباطلة.
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان يقرأ هذه الآية بالتخفيف : (فَإِنَّهُمْ لا يكذِبُونَكَ) ، ويقول : إنّ المراد بها : لا يأتون بحقٍّ هو أحقّ من حقّك.
وقيل : معناه : لا يبطلون ما في يديك ؛ وكلّ هذا يقوّي هذا الوجه.
وثالثها : أن يكون المعنى : لا يصادفونك(٢) كاذباً ؛ كما تقول : ما أجبنته ، أي ما وجدته جباناً.
وليس لأحد أن يجعل هذا الوجه مختصّاً بالقراءة بالتخفيف ؛ لأنّ في الوجهين معاً يمكن هذا الجواب ، لأنّ (أفعلت) و (فعلت) يجوزان في هذا
__________________
(١) الأنعام : ٣٣.
(٢) م : (لا يصادقونك) ، وليس بصحيح.