اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ)(١) ، ثمّ قال تعالى مكذّبا لهم : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) ؛ أي أنّه ممّا (لا يعجزه شيء) ، وثنّى اليدين تأكيداً للأمر ، وتفخيماً له ؛ ولأنّه أبلغ في المعنى المقصود من أن يقول : بل يده مبسوطة.
وقد قيل : إن اليهود وصفوا الله بالبخل.
وقيل : إنّهم قالوا على سبيل الاستهزاء : إنّ إله محمّد الّذي أرسله ؛ يداه إلى عنقه ؛ إذ لا يوسّع عليه وعلى أصحابه ، فأكذبهم الله ، واليد هنا النعمة والفضل ، ويشهد بذلك قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ)(٢) ، ولا معنى لذلك إلاّ الأمر بترك إمساك اليد عن النفقة في الحقوق ؛ وترك الإسراف ، إلى القصد والتوسّط.
ويمكن أن يكون الوجه في تثنية النعمة من حيث أريد بها نعم الدنيا والآخرة ؛ أو من حيث أريد بها النعم الظاهرة والباطنة.
فأمّا قوله تعالى : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) ، ففيه وجوه :
منها : أن لا يكون ذلك على سبيل الدّعاء ؛ بل على جهة الإخبار منه عن نزول ذلك بهم ؛ وفي الكلام ضمير (قد) قبل (غُلَّتْ). وموضع (غُلَّتْ) نصب على الحال ؛ ويسوغ إضمار (قد) هنا كما ساغ(٣) في قوله : (إنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُل فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ * وَإِنْ كانَ
__________________
(١) آل عمران : ١٨١.
(٢) الإسراء : ٢٩.
(٣) م/ ر : (شاع).