فقال : كيف ضمّن الإجابة وتكفّل بها ، وقد نرى من يدعو فلا يجاب؟
الجواب : قلنا : في ذلك وجوه :
أوّلها : أن يكون المراد بقوله تعالى : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) أي أسمع دعوته ؛ ولهذا يقال : إنّك دعوت من لا يجيب أي دعوت من لا يسمع. وقد يكون أيضاً يسمع بمعنى يجيب ؛ كما كان يجيب بمعنى يسمع ؛ يقال : سمع الله لمن حمده ؛ يُراد به : أجاب الله من حمده وأنشد ابن الأعرابيّ :
دَعَوتُ اللّهَ حَتَّى خِفتُ ألاّ |
|
يَكونَ اللّهُ يَسمَعُ ما أقُولُ(١) |
أراد يجيب ما أقول.
وهنا وجه آخر يكون إجابته للداعي بشرط أن يكون له فيه مصلحة أو لا يكون في دعائه مصلحة أو يؤخّر الإجابة إلى وقت مصلحته أيّ وقت كان وغير ذلك.
وثانيها : أنّه تعالى لم يرد بقوله : (قَرِيبٌ) من قرب المسافة ؛ بل أراد أنّي قريب بإجابتي ومعونتي ونعمتي ، بما يأتي العبد ويذر ، وما يسرّ ويجهر ، تشبيهاً بقرب المسافة ؛ لأنّ من قرب من غيره عرف أحواله ولم يخف عليه ؛ ويكون (أُجِيبُ) على هذا تأكيداً للقرب ؛ فكأنّه أراد : إنّني قريب قرباً
__________________
(١) قال ابن الانباري : أنشدنا أبوالعبّاس عن ابن الأعرابي ، (الزاهر في معاني كلمات الناس : ٤٩) نسبه الزمخشري في ربيع الأبرار ، إلى شمير بن الحارث بن ضرار الضبّي ،(ربيع الأبرار ونصوص الأخيار ، ا٢ : ٣٨٦) وكذلك قال البغدادي ، وهو من رواية ابن الأعرابي وليس هو القارض. (خزانة الأدب ولبّ لباب لسان العرب ، ن٥ : ١٧٨).