فقال : أوليس ظاهرها يقتضي أنّا لا نشاء شيئاً إلاّ والله شاء له ، ولم يخصّ إيماناً من كفر ، ولا طاعة من معصية؟
الجواب : قلنا : الكلام متعلّق بما تقدّمه من ذكر الاستقامة ؛ لأنّه قال : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) ثمّ قال : (وَما تَشاؤُنَ إلاّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) ؛ أي لا تشاءون الاستقامة إلاّ والله تعالى مريد لها ؛ ونحن لا ننكر أن يريد الله الطاعات ؛ وإنّما أنكرنا إرادته المعاصي.
وتجري هذه الآية مجرى قوله تعالى : (إنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ، فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلا)(١) ، (وَما تَشاؤُنَ إلاّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ)(٢) ، وقوله تعالى : (وَما يَذْكُرُونَ إلاّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ)(٣) ، في تعلّق الكلام بما قبله.
فإن قالوا : فالآية تدلّ على مذهبنا وبطلان مذهبكم من وجه آخر ؛ وهو أنّه تعالى قال : (وَما تَشاؤُنَ إلاّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) ؛ وذلك يقتضي أنّه يشاء الاستقامة في حال مشيئتنا لها ؛ لأنّ (أن) الخفيفة إذا دخلت على الفعل المضارع اقتضت الاستقبال ؛ وهذا يوجب أنّه يشاء أفعال العباد في كلّ حال ، ويبطل ما يذهبون إليه من أنّه إنّما يريد الطاعات في حال الأمر.
قلنا : ليس في ظاهر الآية أنّا لا نشاء إلاّ ما شاء الله في حال مشيئتنا ؛ وإنّما يقتضي حصول مشيئته لما نشاؤه من الاستقامة من غير ذكر لتقدّم ولا
__________________
(١) المزمّل : ١٩.
(٢) الإنسان : ٣٠.
(٣) المدثّر : ٥٦.