وثانيها : ما أجاب به أبو عبيدة وقطرب وغيرهما من أنّ في الكلام قلباً ، المعنى : خلق العجل من الإنسان ، واستشهد عليه بقوله : (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ)(١) ، أي قد بلغت الكبر ، وبقوله : (ما إنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ)(٢) ، والمعنى : إنّ العصبة تنوء بها ، وبقولهم : عرضت الناقة على الحوض.
ويقال لصاحب هذا الجواب : ما المعنى والفائدة في قوله : «خلق العجل من الإنسان»؟ يريد أنّه تعالى خلق في الإنسان العجلة؟ فهذا لا يجوز ؛ لأنّ العجلة فعل من أفعال(٣) الإنسان ، فكيف يكون مخلوقة فيه لغيره! ولو كان كذلك لما نهاهم عن الاستعجال ، لأنّه لا ينهاهم عمّا خلقه فيهم.
فإن قالوا : لم نرد أنّه خلقها ؛ لكنّه أراد كثرة فعل الإنسان لها ، قيل لهم : هذا هو الجواب المتقدّم من غير حاجة إلى القلب والتقديم والتأخير ، لأنّ القلب مجازاً أوّلاً ، ثمّ هو من أبعد المجاز ، وذكر العجل والمراد به غيره مجاز آخر ، وأقامة من مقام(٤) في مجاز(٥).
وثالثها : جواب الحسن ، قال : عنى بقوله : (مِنْ عَجَل) ، أي من ضعف ، وهي النّطفة المهينة ، وهذا قريب إن كان العجل الضعف لغةً.
أقول : ولم ينقل عن أئمّة اللغة ذلك ، وأيضاً الضعف عرض والإنسان
__________________
(١) آل عمران : ٤٠.
(٢) القصص : ٧٦.
(٣) م / ر : (فعل) بدل (أفعال).
(٤) م : (أقامه مقام).
(٥) الأمالي : (لأنّ القلب) إلى نهاية الجملة (في مجاز).