أحدها : أنّ الناس في دار المحنة والتكليف ، وقد يغترّ(١) بعضهم ببعض ، فيعتقدون فيهم أنّهم يملكون جرّ(٢) المنافع إليهم وصرف المضارّ عنهم ، وقد يعبد قوم الأصنام وغيرها ، ويجعلونهم شركاء لله في استحقاق العبادة ؛ فإذا جاء الآخرة ، وانكشف الغطاء واضطرّوا إلى المعارف زال ما كانوا عليه في الدنيا من الضلال واعتقاد الظنّ ، وأيقن الكلّ أنّه لا خالق ولا رازق ولا ضارّ ولا نافع غير الله سبحانه فردّوا إليه أمورَهم ، وانقطعت آمالهم من غيره ، وعلموا أنّ الّذي كانوا عليه من عبادة غيره ، وتأميله للضّرّ والنفع غرور وزور ، فقال تعالى : (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ) لهذا المعنى.
وثانيها : أن يكون معنى الآية أنّ الأمور كلّها لله ، وفي يده وقبضته من غير خروج ورجوع حقيقيّ ؛ وقد تقول العرب : رجع إليّ من فلان مكروه ، بمعنى صار إليّ منه ؛ ولم يكن سبق إليّ قبل هذا الوقت ، وكذلك يقولون : قد عاد عليّ من فلان كذا ، وإن وقع منه على سبيل الابتداء ، فحمل الآية على هذا المعنى سائغ جائز.
وثالثها : أنّا علمنا أنّه تعالى ملّك العباد في دار التكليف أموراً تنقطع بانقطاع التكليف ، فيريد تعالى برجوع الحكم إليه انتهاء ما ذكره من الأمور التي ملكها غيره إليه وحده في الآخرة.
__________________
(١) م : (تغير).
(٢) م / ر : (خبر) أو (خير).