وقد يمكن في الآية وجه آخر ، وهو أنّ السّبات ليس كلّ نوم ، وإنّما هو من صفات النوم الممتدّ الطويل السكون. ولهذا يقال فيمن وصف بكثرة النوم : إنّه مسبوت ، وبه سبات ؛ ولا يقال ذلك في كلّ نائم ، فلا يكون معناه : وجعلنا نومكم نوماً. والوجه في الامتنان علينا بأن جعل نومنا ممتدّاً طويلاً ظاهراً ، لما في ذلك من المنفعة والراحة ؛ لأنّ التهويم والغرار لا يكسبان الراحة والمنفعة.
أقول : هذا الوجه الأخير هو الوجه ، لأنّ النوم الطويل المستغرق من أنفع الأشياء للبدن ، به ينهضم الطعام ، ويزال النصب والتعب ، وكثير من الأمراض والأوجاع بالنوم الخفيف والتململ ، ولهذا قال الأطبّاء : والتململ من أردى الأشياء وأضرّها للنفس البدن بخلاف المستغرق. ويكون الوجه هو الأوّل لأنّه تعالى منّ علينا بالنوم السّبات ، وهو الراحة من النصب والسّبات مرض.
٢٠ ـ تأويل آية
إن سأل سائل عن قوله تعالى : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِ ما غَشِيَهُمْ)(١).
فقال : ما الفائدة في قوله : (ما غَشِيَهُمْ) ، و (غَشِيَهُمْ) يدلّ؟
الجواب : فيه أوجه :
__________________
(١) طه : ٧٨ ؛ وتمام الآية : (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُم).