وأمّا التكرار في سورة الرحمن فإنّما حسن للتقرير بالنعم المختلفة المعدودة ، فكلّما ذكر نعمةً أنعم بها قرّر عليها ووبّخ على التكذيب بها ، وهذا كثير في كلام العرب ، قال مهلهل بن ربيعة(١) يرثي أخاه كليباً :
عَلى أَن لَيسَ عَدلاً مِن كُلَيب |
|
إِذا طُرِدَ اليَتيمُ عَنِ الجَزورِ |
عَلى أَن لَيسَ عَدلاً مِن كُلَيب |
|
إِذا ما ضيمَ جارُ المُستَجيرِ(٢) |
كرّر ذلك ثماني مرّات ، وهذا المعنى أكثر من أن يحصى كثرة.
فإن قيل : إذا كان الذي حسّن التكرار في سورة الرحمن ما عدّده من الآية ونعمه ، فقد عدّد فيه ما ليس بنعمة ، وهو قوله تعالى : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نار) الآية(٣) وقوله : (جهنّم) الآية(٤) ، فكيف يحسن أن يقول بعقب ذلك : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) وليس هذا من الآلاء والنعم ، قلت : الوجه في ذلك أنّ فعل العقاب وإن لم يكن نعمة فذكره ووصفه والإنذار له من أكبر النعم لأنّ فيه زجراً عمّا يستحقّ به العقاب وبعثاً على ما يستحقّ به الثواب(٥).
__________________
(١) هو عدي بن ربيعة بن مرّة بن هبيرة من بني جشم ، من تغلب ، أبو ليلى ، المهلهل (ت ٩٤ هـ).
(٢) ديوان مهلهل بن ربيعة : ٤٠.
(٣) الرحمن : ٣٥ ؛ (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نار وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ).
(٤) الرحمن : ٤٣ ؛ (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ).
(٥) ح (م) : ربّما توهّم بعض الناس من قوله تعالى : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نار