الأصنام وغيرها معبودة من دونه أو معه ، وقوله : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّم) أي لست أعبد عبادتكم و (ما) مصدرية ، ومعنى قوله : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُد) أي لستم عابدين عبادتي على نحو ما ذكرناه ، ولم يتكرّر الكلام إلاّ لاختلاف المعاني.
فإنْ قيل : فما معنى قوله : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)(١) ، وظاهر هذا الكلام يقتضي إباحتهم المقام على أديانهم ، فلنا في هذا ثلاثة أجوبة :
أوّلها : أنّ ظاهر الكلام وإن كان ظاهره(٢) إباحة ، فهو وعيد ومبالغة في النهي والزجر ، ما قال : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)(٣).
والثاني : أنّه أراد : لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني ، فحذف الجزاء لدلالة الكلام عليه.
والثالث : أنّه أراد : لكم جزاؤكم ولي جزائي ، لأنّ نفس الدين هو الجزاء.
أقول : إنّما أتى بـ(ما) دون (مَن) ، قيل : لأنّ معناها معنى (مَن). وقيل : (ما) الأولَين (مَن) ، والأخيرين بمعنى (ما) المصدرية. وقيل : لما كان المقصود العبادة التي بلفظ (ما) دون (مَن).
__________________
(١) الكافرون : ٦.
(٢) م : ظاهر.
(٣) فصّلت : ٤٠. ومثله قوله تعالى : (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرينَ الَّذينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْليهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبينُ) (الزمر : ١٥).