أراده منهم فأمّا لفظة (ذلك) في الآية فحملها على الرحمة أولى من حملها على الاختلاف ، لدليل العقل وشهادة اللفظ ، أمّا دليل العقل فمن حيث علمنا أنّه تعالى كره الاختلاف والذهاب عن الدين ونهى عنه وتوعّد عليه ، فكيف يجوز أن يكون شائياً له ، ومخبراً بخلق العباد عليه ، وأمّا شهادة اللفظ فلأنّ الرحمة أقرب إلى هذه الكتابة من الاختلاف وحمل اللفظ على أقرب المذكورين إليها أولى في لسان العرب ، وأمّا ما طعن به السائل وتعلّق به من تذكر الكناية وأنّها لا تكون إلاّ مؤنّثة فباطل ، لأنّ تأنيث الرحمة غير حقيقي وإذا كنّى عنها بلفظ التذكير كانت الكناية عن المعنى لأنّ معناها هنا(١) هو الفضل والإنعام ، قال تعالى : (هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي)(٢) ولم يقل : هذه ، وإنّما أراد هذا فضل من ربّي ، وقالت الخنساء(٣) :
فَذَلِكَ يا هِندُ الرَزِيَّةُ فَاعلَمي |
|
وَنيرانُ حَرب(٤) حينَ شُبَّ وَقودُها(٥) |
أرادت الرُّزء.
وقال آخر :
قامَت تُبَكّيهِ على قَبرِهِ |
|
مَن لِـىَ مِن بَعدِكَ يا عَامِرُ |
__________________
(١) م : (معناهنا) بدل (معناها هنا).
(٢) الكهف : ٩٨.
(٣) هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد ، الرياحية السّلمية ، من بني سليم ، من قيس عيلان ، من مضر (ت ٢٤هـ).
(٤) م : (حزن) ، والصحيح حرب كما أثبتناه.
(٥) الأغاني ، و٤ : ٤٠١.