أقول : الوجهان الأخيران في غاية البُعد ، لأنّ اللفظ لا يدلّ عليهما ، والتقدير لا يساعدهما كما ترى ، فالمراد هو الوجه الأوّل فقط لأنّ سياق الكلام يدلّ عليه فقط.
وثالثها : أن يكون معنى الآية الإخبارَ عن أنّه لا أحد أخذ بثأرهم ولا انتصر لهم ، لأنّ العرب لا تبكي على قتيل إلاّ بعد الأخذ بثأره.
ورابعها : أن يكون ذلك كناية عن أنّه لم يكن لهم في الأرض عمل صالح يرفع منهما إلى السماء ويطابق هذا قول ابن عبّاس ، وقد قيل له السماء والأرض يبكيان على أحد ، فقال : نعم مصلاّه في الأرض ومصعّدٌ عمله في السماء ، وروى أنس عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : (ما من مؤمن إلاّ وله باب يصعد منه عملُه وباب ينزل منه عملُه وباب ينزل منه رزقه ، فإذا مات بكيا عليه). ومعنى البكاء هنا الإخبار عن الاختلال بعده ، فإذا لم يكن له عمل صالح جاز أن يقال فيهم : فما بكت عليهم السماء والأرض.
قال السيّد ـ رحمه الله ـ : ويمكن في الآية وجه خامس وهو أن يكون البكاء فيها كناية عن المطر والسقيا ، لأنّ العرب تشبّه المطر بالبكاء ويكون معنى الآية أنّ السماء لم تسقِ قبورهم ولم تجد عليهم بالقطر ، لأنّ العرب كانوا يستسقون السحائب لقبور أعزّائهم ، ويستنبتون لمواضع قبورهم الزهر والرياض ويجرون هذا الدعاء مجرى الاسترحام والرضوان والفعل الذي أضيف إلى السماء وإن كان لا يجوز إضافته إلى الأرض فقد يصحّ عطف الأرض على السماء بأن يقدّر لها فعل يصحّ نسبته إليها والعرب تفعل مثل