موضع آخر : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلىَ بَعْض يَتَساءَلُون)(١).
وظاهر هذه الآيات التناقض :
وقد قال قوم من المفسّرين في تأويلها : أنّ يوم القيامة يوم طويل ممتدّ فقد يجوز أن يمنعوا النطق في بعضه ويؤذن لهم فيه في بعض آخر ، وهذا ضعيف ، لأنّ الإشارة فيه إلى يوم القيامة بطوله فكيف يجوز أن يجعل الحالات فيه مختلفة.
أقول : مواطن القيامة كثيرة ، فيجوز أن يكون في موضع يتكلّمون ، وفي آخر لا يتكلّمون ، وفي آخر يتعاتبون.
والجواب الصحيح أن يقال : إنّما أراد تعالى نفي النطق المسموع المقبول الذي ينتفعون به ويكون لهم فيه عذراً أو حجّة ولم ينفِ النطق الذي ليس هذه حاله ، ويجري ذلك مجرى قولهم : خَرِسَ فلانٌ عن حجّته ، ولم يقل شيئاً ، وإن كان قد تكلّم بكلام كثير ، لكن بما لَم يكن فيه حجّة ، ولا به منفعة ، جاز إطلاق القول الذي حكيناه عليه ، ومثله قول الشاعر(٢) :
أعمَى إِذا ما جارَتي خَرَجَت |
|
حَتَّى يُوارِيَ(٣) جارَتي الخِدرُ |
__________________
(١) الصافات : ٢٧ ؛ الطور : ٢٥.
(٢) البيتان لمسكين الدارميّ ، وهو ربيعة بن عامر بن أُنيف بن شريح بن عمرو بن زيد بن عبد الله بن عدس بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم المعروف بمسكين الدارمي التميمي. (ت ٨٩ هـ).
(٣) م : (تواري) ، والصحيح (يواري).