وأمّا قوله : (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُون) فلم يعن به الناقصي العقول ، وإنّما أراد الذين لم يعقلوا ويعلموا أنّ ما وجب عليهم علمه من معرفة حالتهم والاعتراف بنبوّة رسله والانقياد إلى طاعتهم ووصفهم بأنّهم لا يعقلون تشبيهاً قال : (صُمٌ بُكْمٌ عُمْيٌ)(١).
أقول : أراد بذلك الذين لم ينتفعوا بعقولهم ، لأنّهم لم يستعملوها حيث الواجب عليهم ، فكانوا لا يعقلون وكان من شأنهم أن يقبلوا ما خلقوا لأجله وما فعلوا ذلك فوقع عليهم العذاب لذلك ، وأمّا الحديث فإنّه لم يرد بالبُله ذوي الغفلة والنقص والجنون ، وإنّما أراد البله عن الشرّ والقبيح ، وسمّاهم بلهاً عن ذلك حيث يستعملونه ولا يعتادونه(٢) ، لا من حيث فقدوا العلم والعقل ، قال أبو النجم(٣) :
مِن(٤) كُلِّ بَلهاءَ سَقوطِ البُرقُعِ |
|
بَلهاءُ لَم تُحفَظ وَلَم تُضَيَّعِ(٥) |
أراد بالبلهاء ما ذكرنا ، وقوله : سقوط البرقع ، أراد أنّها لم تبرز وجهها ولا تستره ثقةً بحسنه ، وقوله : لم تحفظ ، أيّ استقامة طريقتها يغني عن
__________________
(١) البقرة : ١٧١.
(٢) (م) : يتعادونه.
(٣) وهو الفضل بن قدامة العجلي ، أبو النجم ، من بني بكر بن وائل (ت ١٣٠ هـ).
(٤) م : (مِن).
(٥) في هذا البيت روايات مختلفة في بعض ألفاظه ، وفي ديوانه : (كلّ بيضاء) بدل (كلّ بلهاء). (ديوان أبي النجم العجلي : ٢٦٢) ؛ وفي أمالي المرتضى رحمهالله : كلّ عجزاء ، بدل كلّ بلهاء. (١ : ٤٠).