أحدهما : أن يكون تعالى إنّما عنى بها جماعة.
أقول : أيضاً يلزم من هذا التأويل التناسخ الذي قامت الدلائل على بطلانه لاستحالته في العقل من ذريّة بني آدم لأنّه خلقهم وكلّفهم وأكمل عقولهم وقرّرهم على لسان رسله عليهمالسلام بمعرفته وبطاعته ، فأقرّوا بذلك وأشهدهم على أنفسهم به كيلا يقولوا يوم القيامة : (إِنّا كُنّا عَنْ هَذَا غَافِلِيْنَ) أو يعتذروا بشرك آبائهم.
وثانيهما : أنّه تعالى لمّا خلقهم وركّبهم تركيباً يدلّ على معرفته ويشهد بقدرته ووجوب عبادته فأراهم العبر والآيات والدلائل في غيرهم وفي أنفسهم كان بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم المقرّ المعترف ، وإن لم يكن هناك إشهاد ولا اعتراف على الحقيقة ، ويجري ذلك مجرى قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعينَ)(١) وإن لم يكن منه تعالى قول على الحقيقة ولا منها جواب ، مثله قوله : (شاهِدِينَ عَلىَ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْر)(٢) والكافر لم يعترف بلسانه وإنّما ظهر منه ظهوراً لا يمكن من دفعه ، فكان بمنزلة المعترف به ، وما روي عن بعض الحكماء من قوله : «سَل الأرض : من شقّ أنّهارك ، وغرس أشجارك ، وجنى ثمارك؟ فإن لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً»(٣).
__________________
(١) فصلت : ١١.
(٢) التوبة : ١٧.
(٣) نسب هذا الكلام ابن الشجري إلى الإمام علي (ع). (أمالي ابن الشجري ، ٢ :