٥ ـ تأويل آية
قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُم)(١) الآية.
قد ظنّ من لا بصيرة له ولا فطنة أنّ تأويل هذه الآية أنّ الله استخرج من ظهر آدم جميع ذريّته وهم في خلق الذرّ فقرّرهم بمعرفته وأشهدهم على أنفسهم. وهذا التأويل مع أنّ العقل يبطله ويحيله ـ.
أقول : لأنّه يلزم منه التناسخ الذي قامت الدلائل على بطلانه ـ ممّا يشهد ظاهر القرآن بخلافه ، لأنّه قال : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُم) ولم يقل : من آدم ولا من ظهره ، وقال : ذريّاتهم ، ولم يقل : من ذريّته ، وهذا يدلّ على اختصاصها ببعض ذريّة ولد آدم شهادة العقل ، فمن حيث لا تخلو هذه الذريّة التي استخرجت من ظهر آدم فخوطب من أن تكون كاملة العقل مستوفية لشروط التكليف ، أو لا ، فإن كانت بالصفة الأولى وجب أن يذكر هؤلاء بعد خلقهم وإنشائهم ما كانوا عليه في تلك الحال وما قرروا به واستشهدوا عليه مع أنّ تجويز النسيان عليهم ينقض الغرض في الآية ، وذلك أنّ الله سبحانه أخبر أنّه قرّرهم وأشهدهم كيلا يدّعوا يوم القيامة الغفلة عن ذلك فتسقط الحجة عليهم ، وإن كانوا على الصفة الثانية من زوال العقل وشرائط التكليف قبح خطابهم وإشهادهم ، والصحيح في تأويلها وجهان :
__________________
(١) الأعراف : ١٧٢ ؛ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنيو آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلىْ شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلينَ).