باطل ، بل الحالتان مختلفتان ، والحال التي عن العصا فيها بصفة الجانّ كانت في ابتداء النبوة والحال التي صارت العصا فيها ثعبانا كانت عند لقائه فرعونَ وإبلاغه الرسالة والتلاوة تدلّ على ذلك ، وإذا اختلف القضيّتان فلا مسألة ولا مناقضة ، وقد ذكر المفسّرون أيضاً وجهين تزول بكلّ منهما الشبهة في تأويلها :
أحدهما : أنّه تعالى إنّما شبّهها بالثعبان في أحد الآيتين لعظم جثّتها وكبر جسمها وهول منظرها ، وشبّهها في الآية الأخرى بالجانّ لسرعة حركتها ونشاطها وخفّتها ، فاجتمع لها أنّها في جسم الثعبان وكبر خلقه ونشاط الجانّ وسرعة حركته ، وهذا أنهى في باب الإعجاز وأبلغ في خرق العادة ولا تناقض بينهما.
وثانيهما : أنّه تعالى لم يرد بالجانّ الحيّة ، وإنّما أراد أحد الجنّ فكأنّه تعالى أخبر بأنّ العصا صارت ثعباناً في الخلقة وعظم الجسم ، وكانت مع ذلك كأحد الجنّ في هول المنظر وإفزاعها لمن شاهدها ، ولهذا قال : (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّب يا موسى ..)
ويمكن في الآية وجه آخر وهو أنّ العصا لمّا انقلبت حيّة صارت أوّلا بصفة الجانّ على صورته ثمّ صارت بصفة الثعبان على تدريج ، ولم تصِر كذلك بضربة واحدة.
أقول : وهذا الوجه هو الوجه وعليه تحقّق المفسّرين.